وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ...).
ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) أى : وأشهدوا عند المراجعة لأزواجكم وعند مفارقتكم لهن رجلين تتوفر فيهما العدالة والاستقامة لان الإشهاد يقطع التنازع ، ويدفع الريبة ، وينفى التهمة.
والأمر في قوله : (وَأَشْهِدُوا) للندب والاستحباب في حالتي المراجعة والمفارقة ، فهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) وهذا رأى جمهور العلماء.
قال الآلوسى : قوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) أى : عند الرجعة إن اخترتموها ، أو الفرقة إن اخترتموها ، تبريا عن الريبة ، وقطعا للنزاع. وهذا أمر ندب كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ).
وقال الشافعى في القديم : إنه للوجوب في الرجعة. وزعم الطبرسي أن الظاهر أنه أمر بالإشهاد على الطلاق ، وأنه مروى عن أثمة أهل البيت ، وأنه للوجوب ، وشرط في صحة الطلاق .. (١).
وقوله : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) معطوف على ما قبله ، والخطاب لكل من تتعلق به الشهادة.
والمراد بإقامة الشهادة : أداؤها بالعدل والصدق.
أى : وعليكم ـ أيها المؤمنون ـ عند أدائكم للشهادة ، أن تؤدوها بالعدل والأمانة ، وأن تجعلوها خالصة لوجه الله ـ تعالى ـ وامتثالا لأمره.
والجملة الكريمة دليل على أن أداء الشهادة على وجهها الصحيح عند الحكام وغيرهم ، أمر واجب ، لأن الشهادة هنا اسم للجنس ، ولأن الله ـ تعالى ـ يقول في آية أخرى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ...).
والإشارة في قوله ـ سبحانه ـ : (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تعود إلى جميع ما تقدم من أحكام ، كإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيت الزوجية حتى تنتهي عدتها ، والحث على أداء الشهادة بالحق والعدل.
والوعظ معناه : التحذير مما يؤذى بطريقة تؤثر في القلوب ، وتهدى النفوس إلى الرشد.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٣٥.