والإنسان : المراد به الجنس ، أو الكافر .. وأل في الشر والخير للجنس ـ أيضا (١).
والتعبير بقوله : (خُلِقَ هَلُوعاً) يشير إلى أن جنس الإنسان ـ إلا من عصم الله ـ مفطور ومطبوع ، على أنه إذا أصابه الشر جزع ، وإذا مسه الخير بخل .. وأن هاتين الصفتين ليستا من الصفات التي يحبها الله ـ تعالى ـ بدليل أنه ـ سبحانه ـ قد استثنى المصلين وغيرهم من التلبس بهاتين الصفتين.
وبدليل أن من صفات المؤمن الصادق أن يكون شكورا عند الرخاء صبورا عند الضراء.
وفي الحديث الشريف ، يقول صلىاللهعليهوسلم : «شر ما في الرجل : شح هالع ، وجبن خالع» وفي حديث آخر يقول صلىاللهعليهوسلم : «عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».
قال الجمل : وقوله : (جَزُوعاً) و (مَنُوعاً) فيهما ثلاثة أوجه : أحدها : أنهما منصوبان على الحال من الضمير في (هَلُوعاً) ، وهو العامل فيهما. والتقدير : هلوعا حال كونه جزوعا وقت مس الشر ، ومنوعا وقت مس الخير : الثاني : أنهما خبران لكان أو صار مضمرة. أى : إذا مسه الشر كان أو صار جزوعا ، وإذا مسه الخير كان أو صار منوعا. الثالث : أنهما نعتان لقوله : «هلوعا» (٢).
ثم وصف ـ سبحانه ـ من استثناهم من الإنسان الهلوع ، بجملة من الصفات الكريمة ، فقال : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ).
أى : إن الناس جميعا قد جبلوا على الجزع عند الضراء ، وعلى المنع عند السراء .. إلا المصلين منهم ، الذين يواظبون على أدائها مواظبة تامة ، دون أن يشغلهم عن أدائها : عسر أو يسر ، أو غنى أو فقر ، أو إقامة أو سفر.
فهم ممن قال ـ سبحانه ـ في شأنهم : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ، وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ ، يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ).
وقال ـ سبحانه ـ : (عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) للإشارة إلى أنهم لا يشغلهم عنها شاغل ، إذ الدوام على الشيء عدم تركه.
وفي إضافة «الصلاة» إلى ضمير «المصلين» تنويه بشأنهم ، وإشعار باختصاصها بهم ، إذ هم أصحابها الملازمون لها.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٦١.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٠٦.