ثم قال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ).
أى : أن من صفاتهم ـ أيضا ـ أنهم أعفاء ، ممسكون لشهواتهم ، لا يستعملونها إلا مع زوجاتهم اللائي أحلهن ـ سبحانه ـ لهم أو مع ما ملكت أيمانهم من الإماء والسراري.
وجملة (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) تعليل للاستثناء. أى : هم حافظون لفروجهم ، فلا يستعملون شهواتهم إلا مع أزواجهم. أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير مؤاخذين على ذلك ، لأن معاشرة الأزواج وما ملكت الأيمان مما أحله الله ـ تعالى ـ.
وقوله : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) أى : فمن طلب خلاف ذلك الذي أحله ـ سبحانه ـ. (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) أى : فأولئك هم المعتدون المتجاوزون حدود خالقهم ، الوالغون في الحرام الذي نهى الله ـ تعالى ـ عنه.
يقال : عدا فلان الشيء يعدوه عدوا ، إذا جاوزه وتركه. أى : أنهم تجاوزوا الحلال وتركوه خلف ظهورهم ، واتجهوا ناحية الحرام فولغوا فيه.
قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) أى : أن من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين ، الذين إذا مسهم الشر لا يجزعون ، وإذا مسهم الخير لا يمنعون .. أنهم لا يخلون بشيء من الأمانات التي يؤتمنون عليها ، ولا ينقضون شيئا من العهود التي يعاهدون غيرهم عليها ، وإنما هم يراعون ذلك ويحفظونه حفظا تاما.
فقوله (راعُونَ) جمع راع ، وهو الذي يرعى الحقوق والأمانات والعهود ويحفظها ويحرسها ، كما يحرس الراعي غنمه وإبله حراسة تامة.
وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) أى : والذين هم من صفاتهم أنهم يؤدون الشهادة على وجهها الحق ، فلا يشهدون بالزور أو الباطل ، ولا يكتمون الشهادة إذا طلب منهم أن يؤدوها ، عملا بقوله ـ تعالى ـ (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
فالشهادات : جمع شهادة. والمراد بالقيام بها : أداؤها على أتم وجه وأكمله وأعدله ، إذ القيام بها يشمل الاهتمام بشأنها ، وحفظها إلى أن يؤديها صاحبها على الوجه الذي يحبه ـ سبحانه ـ.
وكما افتتح ـ سبحانه ـ هذه الصفات الكريمة بمدح الذين هم على صلاتهم دائمون ، فقد