المطر ، وأعقم أرحام نسائهم .. فرجعوا إلى نوح ، فقال لهم : استغفروا ربكم من الشرك ، حتى يفتح عليكم أبواب نعمه.
واعلم أن الاشتغال بالطاعة ، سبب لانفتاح أبواب الخيرات ، ويدل عليه وجوه : أحدها : أن الكفر سبب لخراب العالم. والإيمان سبب لعمارة العالم. وثانيها : الآيات الكثيرة التي وردت في هذا المعنى ، ومنها قوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ..) وثالثها : أن عمر خرج يستسقى فما زاد على الاستغفار. فقيل له : ما رأيتك استسقيت؟ فقال : لقد استسقيت لكم بمجاديح السماء ، والمجاديح : جمع مجدح ـ بكسر فسكون وهو نجم من النجوم المعروفة عند العرب.
وشكا رجل الى الحسن البصري الفاقة ، وشكا إليه آخر الجدب ، وشكا إليه ثالث قلة النسل .. فأمر الجميع بالاستغفار .. فقيل له : أتاك رجال يشكون إليك أنواعا من الحاجة ، فأمرتهم جميعا بالاستغفار؟ فتلا الحسن هذه الآيات الكريمة (١).
وما قاله الإمام الرازي ـ رحمهالله ـ ، يؤيده القرآن الكريم في كثير من آياته ، ويؤيده واقع الحياة التي نحياها ونشاهد أحداثها.
أما آيات القرآن الكريم فمنها قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ على لسان هود ـ عليهالسلام ـ : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ ..) (٣).
وقال ـ عزوجل ـ : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) (٤).
وأما واقع الحياة. فإننا نشاهد بأعيننا الأمم التي تطبق شريعة الله ـ تعالى ـ وتعمل بما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم من آداب وأحكام وهدايات.
نرى هذه الأمم سعيدة في حياتها ، آمنة في أوطانها ، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ، وإذا أصابها شيء من النقص في الأنفس أو الثمرات .. فذلك من باب الامتحان الذي يمتحن الله ـ تعالى ـ به عباده ، والذي لا يتعارض مع كون العاقبة الطيبة إنما هي لهذه الأمم الصادقة في إيمانها.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٢١٥.
(٢) سورة الجن آية ١٦.
(٣) سورة هود آية ٥٢.
(٤) سورة النحل آية ٩٧.