وقيل : المعنى : مالكم لا تعلمون لله عظمة .. أولا ترون لله عظمة .. أو لا تبالون أن لله عظمة .. والوقار : العظمة ، والتوقير : التعظيم .. (١).
وبعد هذا الترغيب والترهيب والتوبيخ .. أخذ في لفت أنظارهم إلى عجائب صنع الله في خلقه ، فقال : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً ، وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً).
والاستفهام في قوله : (أَلَمْ تَرَوْا ..) للتقرير ، والرؤية : بصرية وعلمية ، لأنهم يشاهدون مخلوقات الله ـ تعالى ـ ويعلمون أنه ـ سبحانه ـ هو الخالق. و (طِباقاً) أى : متطابقة كل طبقة أعلى من التي تحتها.
أى : لقد علمتم ورأيتم أن الله ـ تعالى ـ هو الذي خلق (سَبْعَ سَماواتٍ) متطابقة ، بعضها فوق بعض (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) أى : وجعل ـ سبحانه ـ بقدرته القمر في السماء الدنيا نورا للأرض ومن فيها.
وإنما قال (فِيهِنَ) مع أنه في السماء الدنيا ، لأنها محاطة بسائر السموات فما فيها يكون كأنه في الكل. أو لأن كل واحدة منها شفافة ، فيرى الكل كأنه سماء واحدة. فساغ أن يقال فيهن.
وقوله : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) أى : كالسراج في إضاءتها وتوهجها وإزالة ظلمة الليل ، إذ السراج هو المصباح الزاهر نوره ، الذي يضيء ما حوله.
قال الآلوسى : قوله (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) أى : منورا لوجه الأرض في ظلمة الليل ، وجعله فيهن مع أنه في إحداهن ـ وهي السماء الدنيا ـ ، كما يقال : زيد في بغداد وهو في بقعة منها. والمرجح له الإيجاز والملابسة بالكلية والجزئية ، وكونها طباقا شفافة.
(وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) يزيل الظلمة .. وتنوينه للتعظيم ، وفي الكلام تشبيه بليغ ، ولكون السراج أعرف وأقرب ، جعل مشبها به ، ولاعتبار التعدي إلى الغير في مفهومه بخلاف النور ، كان أبلغ منه. (٢).
وقال بعض العلماء : وفي جعل القمر نورا ، إيماء إلى أن ضوء القمر ليس من ذاته. فإن القمر مظلم. وإنما يستضيء بانعكاس أشعة الشمس على ما يستقبلها من وجهه ، بحسب اختلاف ذلك الاستقبال من تبعض وتمام ، هو أثر ظهوره هلالا .. ثم بدرا.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٣٠٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٧٥.