ولعل أرجح هذه الأقوال هو القول الرابع .. فإن آية سورة الإسراء وهي قوله ـ تعالى ـ : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ...) تدل على أن وجوب التهجد قد بقي عليه صلىاللهعليهوسلم (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) إرشاد له صلىاللهعليهوسلم ولأمته إلى أفضل طريقة لقراءة القرآن الكريم ، حتى يستمروا عليها ، وهم في أول عهدهم بنزول القرآن الكريم.
والترتيل : جعل الشيء مرتلا ، أى : منسقا منظما ، ومنه قولهم : ثغر مرتل ، أى : منظم الأسنان ، لم يشذ بعضها عن بعض ...
أى : قم ـ أيها الرسول الكريم ـ الليل إلا قليلا منه ... متعبدا لربك مرتلا للقرآن ترتيلا جميلا حسنا ، تستبين معه الكلمات والحروف ، حتى يفهمها السامع ، وحتى يكون ذلك أعون على حسن تدبره ، وأثبت لمعانيه في القلب ...
قال الإمام ابن كثير : وكذلك كان يقرأ صلىاللهعليهوسلم فقد قالت عائشة : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ السورة فيرتلها ... وسئل أنس عن قراءته صلىاللهعليهوسلم فقال : كانت مدا ... وقال صلىاللهعليهوسلم : «زينوا القرآن بأصواتكم».
وقال عبد الله بن مسعود : لا تنثروه نثر الرمل ، ولا تهذوه هذّ الشّعر وقفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب (٢) ـ أى لا تسرعوا في قراءته كما تسرعوا في قراءة الشعر. والهذ : سرعة القطع ـ هذا ، وليس معنى قوله ـ سبحانه ـ : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) ، أن يقرأ بطريقة فيها تلحين أو تطريب يغير من ألفاظ القرآن ، ويخل بالقراءة الصحيحة من حيث الأداء ، ومخارج الحروف ، والغن والمد ، والإدغام والإظهار ... وغير ذلك مما تقتضيه القراءة السليمة للقرآن الكريم.
وإنما معنى قوله ـ تعالى ـ : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) أن يقرأه بصوت جميل وبخشوع وتدبر ، وبالتزام تام للقراءة الصحيحة ، من حيث مخارج الحروف ومن حيث الوقف والمد والإظهار والإخفاء ، وغير ذلك ...
وقد بسط القول في هذه المسألة بعض العلماء فارجع إليه إن شئت (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) تعليل للأمر بقيام الليل ، وهو كلام
__________________
(١) راجع تفسير الأحكام ج ٤ ص ١٩٠ للشيخ محمد على السائس ـ رحمهالله.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٧٦.
(٣) راجع تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ١٩٣ للشيخ السائس.