وقيل : المراد بالقول الوحى ، كما في الخبر ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا أوحى إليه ، وهو على ناقته وضعت جرانها ـ أى : وضعت صدرها على الأرض ـ فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه ... (١).
ويبدو لنا أن وصف القرآن بالثقل وصف حقيقى ، لما ثبت من ثقله على النبي صلىاللهعليهوسلم وقت نزوله عليه ... وهذا لا يمنع أن ثقله يشمل ما اندرج فيه من علوم نافعة ، ومن هدايات سامية ، ومن أحكام حكيمة ، ومن آداب قويمة ، ومن تكاليف جليلة الشأن.
وعبر ـ سبحانه ـ عن إيحائه بالقرآن إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم بالإلقاء للإشعار بأنه يلقى إليه على غير ترقب منه صلىاللهعليهوسلم ، بل ينزل إليه في الوقت الذي يريده ـ سبحانه ـ وللإشارة من أول الأمر إلى أن ما يوحى إليه شيء عظيم وشديد الوقع على النفس.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك الحكمة من أمره له صلىاللهعليهوسلم بقيام الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة فقال : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً).
وقوله : (ناشِئَةَ) : وصف من النشء وهو الحدوث ، وهو صفة لموصوف محذوف. وقوله : (وَطْئاً) بمعنى مواطأة وموافقة ، وأصل الوطء : وضع الرجل على الأرض بنظام وترتيب ، ثم استعير للموافقة ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) ، ومنه قولهم : وطأت فلانا على كذا ، إذا وافقته عليه. وهو منصوب على التمييز. وقوله : (قِيلاً) بمعنى قولا.
وقوله : (أَقْوَمُ) بمعنى أفضل وأنفع.
والمعنى : يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة. فإن العبادة الناشئة بالليل. هي أشد مواطأة وموافقة لإصلاح القلب ، وتهذيب النفس ، وأقوم قولا ، وأنفع وقعا ، وأفضل قراءة من عبادة النهار ، لأن العبادة الناشئة بالليل يصحبها ما يصحبها من الخشوع والإخلاص ، لهدوء الأصوات بالليل ، وتفرغ العابد تفرغا تاما لعبادة ربه.
قال الشوكانى ما ملخصه : قوله : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ ...) أى : ساعاته وأوقاته ، لأنها تنشأ أولا فأولا ، ويقال : نشأ الشيء ينشأ ، إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شيء ، فهو ناشئ ... قال الزجاج : ناشئة الليل ، كل ما نشأ منه ، أى : حدث منه ... والمراد ساعات الليل الناشئة ، فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف.
وقيل : إن ناشئة الليل ، هي النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة ، أى : تنهض ، من
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٢٨.