نشأ من مكانه ، إذا نهض منه.
(هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) قرأ الجمهور (وَطْئاً) بفتح الواو وسكون الطاء مقصورة ، وقرأ بعضهم وطاء بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة.
والمعنى على القراءة الأولى : أن الصلاة الناشئة في الليل ، أثقل على المصلى من صلاة النهار ، لأن الليل للنوم ... ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم «اللهم اشدد وطأتك على مضر».
والمعنى على القراءة الثانية : أنها أشد مواطأة وموافقة بين السمع والبصر والقلب واللسان ، لانقطاع الأصوات والحركات ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أى : ليوافقوا.
(وَأَقْوَمُ قِيلاً) أى : وأشد مقالا. وأثبت قراءة ، لحضور القلب فيها ، وهدوء الأصوات ، وأشد استقامة واستمرارا على الصواب ... (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) تقرير للأمر بقيام الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة والتقرب إليه ـ سبحانه ـ.
والسبح : مصدر سبح ، وأصله الذهاب في الماء والتقلب فيه ثم استعير للتقلب والتصرف المتسع ، الذي يشبه حركة السابح في الماء.
أى : إنا أمرناك بقيام الليل للعبادة والطاعة ، لأن لك في النهار ـ أيها الرسول الكريم ـ تقلبا وتصرفا في مهماتك ، واشتغالا بأعباء الرسالة يجعلك لا تستطيع التفرغ لعبادتنا ، أما في الليل فتستطيع ذلك لأنه وقت السكون والراحة والنوم.
فالمقصود من الآية الكريمة التخفيف والتيسير عليه صلىاللهعليهوسلم وبيان الحكمة من أمره بقيام الليل ـ إلا قليلا منه ـ للعبادة ، حيث لم يجمع ـ سبحانه ـ عليه الأمر بالتهجد في الليل والنهار ، وإنما يسر عليه الأمر ، فجعله بالليل فحسب ، أما النهار فهو لمطالب الحياة : ولتبليغ رسالته ـ سبحانه ـ إلى الناس.
ثم أمره ـ سبحانه ـ بعد ذلك بالمداومة على ذكره ليلا ونهارا فقال : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً. رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَبَتَّلْ) من التبتل ، وهو الاشتغال الدائم بعبادة الله ـ تعالى ـ ، والانقطاع لطاعته. ومنه قولهم بتل فلان الحبل ، إذا قطعه ، وامرأة بتول.
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٣١٧ للشوكانى.