أى : منقطعة عن الزواج ، ومتفرغة لعبادة الله ـ تعالى ـ والمراد به هنا : التفرغ لما يرضى الله ـ تعالى ـ ، والاشتغال بذلك عن كل شيء سواه.
أى : وداوم ـ أيها الرسول الكريم ـ على ذكر الله ـ تعالى ـ عن طريق تسبيحه ، وتحميده وتكبيره ، وتفرغ لعبادته وطاعته تفرغا تاما ، دون أن يشغلك عن ذلك شاغل.
فربك ـ عزوجل ـ هو (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ). أى : هو ـ سبحانه ـ رب جهتي الشروق والغروب للشمس.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مستحق للعبادة والطاعة ، وما دام الأمر كذلك (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً).
أى : فاتخذه وكيلك الذي تفوض إليه أمرك ، وتلجأ إليه في كل أحوالك ... إذ الوكيل هو الذي توكل إليه الأمور ، ويترك له التصرف فيها.
وليس المراد بقوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) الانقطاع التام عن الأعمال ، لأن هذا يتنافى مع قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) ، وإنما المراد التنبيه إلى أنه صلىاللهعليهوسلم ينبغي له أن لا يشغله السبح الطويل بالنهار ، عن طاعته ـ عزوجل ـ وعن المداومة على مراقبته وذكره.
ومما لا شك فيه أن ما كان يقوم به النبي صلىاللهعليهوسلم من الاشتغال بأمر الدعوة إلى وحدانية الله ـ تعالى ـ ، ومن تعليم الناس العلم النافع ، والعمل الصالح ... كل ذلك يندرج تحت المواظبة على ذكر الله ـ تعالى ـ ، وعلى التفرغ لعبادته.
وقال ـ سبحانه ـ (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ولم يقل تبتلا حتى يكون الفعل موافقا لمصدره ، للإشارة إلى أن التبتل والانقطاع إلى الله يحتاجان إلى عمل اختياري منه صلىاللهعليهوسلم ، بأن يجرد نفسه عن كل ما سوى الله ـ تعالى ـ ، وبذلك يحصل التبتل الذي هو أثر للتبتيل ، بمعنى : ترويض النفس وتعويدها على العبادة والطاعة.
ووصف ـ سبحانه ـ ذاته بأنه (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، لمناسبة الأمر بذكره في الليل والنهار ، وهما وقت ابتداء طلوع الشمس وغروبها ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : داوم على طاعتي لأنى أنا رب جميع جهات الأرض ، التي فيها تشرق الشمس وتغرب.
والمراد بالمشرق والمغرب هنا جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس ، التي هي ثلاثمائة وستون مشرقا ـ كما يقول العلماء ـ وعلى كل مغرب من مغاربها التي هي كذلك.
والمراد بالمشرقين والمغربين كما جاء في سورة الرحمن : مشرق ومغرب الشتاء والصيف.