والمراد بالمشارق والمغارب كما جاء في سورة المعارج : مشرق ومغرب كل يوم للشمس والكواكب.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك بالصبر الجميل ، على أذى قومه فقال : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ....).
أى : اجعل يا محمد اعتمادك وتوكلك على وحدي ، واصبر على ما يقوله أعداؤك في حقك من أكاذيب وخرافات ... واهجرهم هجرا جميلا ، أى : واعتزلهم وابتعد عنهم ، وقاطعهم مقاطعة حسنة ، بحيث لا تقابل السيئة يمثلها ، ولا تزد على هجرهم : بأن تسبهم ، أو ترميهم بالقبيح من القول ...
قال الإمام الرازي ما ملخصه : والمعنى أنك لما اتخذتني وكيلا فاصبر على ما يقولون ، وفوض أمرهم إلى ، فإنى لما كنت وكيلا لك أقوم بإصلاح أمرك ، أحسن من قيامك بإصلاح نفسك.
واعلم أن مهمات العباد محصورة في أمرين : في كيفية معاملتهم مع الله ، وقد ذكر ـ سبحانه ـ ذلك في الآيات السابقة ، وفي كيفية معاملتهم مع الخلق ، وقد جمع ـ سبحانه ـ كل ما يحتاج إليه في هذا الباب في هاتين الكلمتين ، وذلك لأن الإنسان إما أن يكون مخالطا للناس ، أو مجانبا لهم.
فإن كان مخالطا لهم فعليه أن يصبر على إيذائهم ... وإما أن يكون مجانبا لهم ، فعليه أن يهجرهم هجرا جميلا ... بأن يجانبهم بقلبه وهواه ، ويخالفهم في أفعالهم ، مع المداراة والإغضاء ... (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) أى : ودعني وشأنى مع هؤلاء المكذبين بالحق ، ولا تهتم أنت بأمرهم ، فأنا خالقهم ، وأنا القادر على كل شيء يتعلق بهم.
وقوله : (أُولِي النَّعْمَةِ) وصف لهم جيء به على سبيل التوبيخ لهم ، والتهكم بهم ، حيث جحدوا نعم الله ، وتوهموا أن هذه النعم من مال أو ولد ستنفعهم يوم القيامة.
والنّعمة ـ بفتح النون مع التشديد ـ : تطلق على التنعم والترفه وغضارة العيش في الدنيا.
__________________
(١) راجع تفسير فخر الرازي ج ٨ ص ٢٤٠.