أى : إنا خلقنا الإنسان بقدرتنا وحدها. «من نطفة» أى : من منّى ، وهو ماء الرجل وماء المرأة ، «أمشاج» أى : ممتزج أحدهما بالآخر امتزاجا تاما.
أو خلقناه من نطفة مختلطة بعناصر متعددة ، تتكون منها حياة الإنسان بقدرتنا وحكمتنا.
وخلقناه كذلك حالة كوننا مريدين ابتلاءه واختباره بالتكاليف ، في مستقبل حياته حين يكون أهلا لهذه التكاليف.
(فَجَعَلْناهُ) بسبب إرادتنا ابتلاءه واختباره بالتكاليف عند بلوغه سن الرشد (سَمِيعاً بَصِيراً) أى : فجعلناه بسبب هذا الابتلاء والاختبار والتكاليف مزودا بوسائل الإدراك ، التي بواسطتها يسمع الحق ويبصره ويستجيب له ويدرك الحقائق والآيات الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق رسلنا .. إدراكا سليما ، متى اتبع فطرته ، وخالف وساوس الشيطان وخطواته.
وخص ـ سبحانه ـ السمع والبصر بالذكر ، لأنهما أنفع الحواس للإنسان ، إذ عن طريق السمع يتلقى دعوة الحق وما اشتملت عليه من هدايات ، وعن طريق البصر ينظر في الأدلة المتنوعة الكثيرة التي تدل على وحدانية الله ـ تعالى ـ وعلى صدق أنبيائه فيما جاءوا به من عند ربهم.
وقوله ـ سبحانه ـ (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) تعليل لقوله (نَبْتَلِيهِ) ، وتفصيل لقوله ـ تعالى ـ (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) ، والمراد بالهداية هنا : الدلالة إلى طريق الحق ، والإرشاد إلى الصراط المستقيم.
أى : إنا بفضلنا وإحساننا ـ قد أرشدنا الإنسان إلى ما يوصله إلى طريق الحق والصواب ، وأرشدناه إلى ما يسعده ، عن طريق إرسال الرسل وتزويده بالعقل المستعد للتفكر والتدبر في آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا.
وقوله : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) حالان من ضمير الغيبة في «هديناه» وهو ضمير الإنسان.
و «إما» للتفصيل باعتبار تعدد الأحوال مع اتحاد الذات : أو للتقسيم للمهدي بحسب اختلاف الذوات والصفات.
أى : إنا هديناه ودللناه على ما يوصله إلى الصراط المستقيم ، في حالتي شكره وكفره ، لأنه إن أخذ بهدايتنا كان شاكرا ، وإن أعرض عنها كان جاحدا وكافرا لنعمنا ، فالهداية موجودة في كل الأحوال ، إلا أن المنتفعين بها هم الشاكرون وحدهم.
ومثل ذلك كمثل رجلين ، يرشدهما مرشد إلى طريق النجاة ، فأحدهما يسير في هذا الطريق