قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ (كانَتْ قَوارِيرَا) أى : كانت تلك الأكواب قوارير ، جمع قارورة ، وهي إناء رقيق من الزجاج توضع فيه الأشربة ، ونصبه على الحال ، فإن «كان» تامة ، وهو كما تقول : خلقت قوارير. وقوله ـ تعالى ـ : (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) بدل. والكلام على التشبيه البليغ.
والمراد تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ، ولون الفضة وبياضها.
وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر بتنوين (قَوارِيرَا) في الموضعين وصلا ، وإبداله ألفا وقفا. وابن كثير يمنع صرف الثاني ويصرف الأول .. والقراءة بمنع صرفهما للباقين (١).
وقال الشوكانى : وجملة «قدروها تقديرا» صفة لقوارير .. أى : قدرها السقاة من الخدم ، الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة ، من دون زيادة ولا نقصان .. ، وقيل : قدرها الملائكة. وقيل : قدرها الشاربون لها من أهل الجنة على مقدار حاجتهم ، فجاءت كما يريدون في الشكل لا تزيد ولا تنقص .. (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ محاسن شراب أهل الجنة فقال : (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً).
والمراد بالكأس هنا : كأس الخمر. والضمير في قوله (فِيها) يعود إلى الجنة. والزنجبيل : نبات ذو رائحة عطرية طيبة ، والعرب كانوا يستلذون الشراب الممزوج به.
والسلسبيل وصف قيل مشتق من السلاسة بمعنى السهولة واللين ، يقال : ماء سلسل ، أى : عذب سائغ للشاربين ، ومعنى (تُسَمَّى) على هذا الرأى. أى : توصف بالسلاسة والعذوبة.
وقيل : السلسبيل : اسم لهذه العين ، لقوله ـ تعالى ـ (تُسَمَّى).
أى : أن هؤلاء الأبرار ـ بجانب كل ما تقدم من نعم ـ يسقون في الجنة من كأس مليئة بالخمر ، وهذه الخمر التي يشربونها ممزوجة بالزنجبيل ، فتزداد لذة على لذتها.
ويسقون ـ أيضا ـ من عين فيها ـ أى : في الجنة ـ تسمى سلسبيلا ، وذلك لسلاسة مائها ولذته وعذوبته ، وسهولة نزوله إلى الحلق.
قال صاحب الكشاف : (سَلْسَبِيلاً) سميت بذلك ـ لسلاسة انحدارها في الحلق ، وسهولة مساغها. يعنى : أنها في طعم الزنجبيل ، وليس فيها لذعة ، ولكن فيها نقيض اللذع
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٥٩.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٥ ص ٣٥٠.