فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى)(٢٦)
قال الإمام الرازي : اعلم أن وجه المناسبة بين هذه القصة وبين ما قبلها من وجهين :
الأول : أنه ـ تعالى ـ حكى عن الكفار إصرارهم على إنكار البعث ، حتى انتهوا في ذلك الإنكار إلى حد الاستهزاء في قولهم : (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) ، وكان ذلك يشق على الرسول صلىاللهعليهوسلم فذكر ـ سبحانه ـ قصة موسى ـ عليهالسلام ـ ، وبين أنه تحمل المشقة في دعوة فرعون ، ليكون ذلك تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم.
الثاني : أن فرعون كان أقوى من كفار قريش ... فلما تمرد على موسى ، أخذه الله ـ تعالى ـ نكال الآخرة والأولى ، فكذلك هؤلاء المشركون في تمردهم عليك ، إن أصروا ، أخذهم الله وجعلهم نكالا .... (١).
والمقصود من الاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ...) التشويق إلى الخبر ، وجعل السامع في أشد حالات الترقب لما سيلقى إليه ، حتى يكون أكثر وعيا لما سيسمعه.
والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم لقصد تسليته ، ويندرج فيه كل من يصلح له.
والمعنى : هل وصل إلى علمك ـ أيها الرسول الكريم ـ خبر موسى ـ عليهالسلام ـ مع فرعون؟ إن كان لم يصل إليك فهاك جانبا من خبره نقصه عليك ، فتنبه له ، لتزداد ثباتا على ثباتك ، وثقة في نصر الله ـ تعالى ـ لك على ثقتك.
والظرف «إذ» في قوله ـ تعالى ـ : (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) متعلق بلفظ «حديث» ، والجملة بدل اشتمال مما قبلها.
و «الواد» المكان المنخفض بين جبلين ، أو بين مكانين مرتفعين. و «المقدس» : بمعنى المطهر. و «طوى» اسم للوادي. وقد جاء الحديث عنه في آيات متعددة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا أَتاها) ـ أى النار ـ (نُودِيَ يا مُوسى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (٢).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٣٢١.
(٢) سورة طه الآيتان ١١ ـ ١٢.