وبعد هذا الاستطراد عن طريق ذكر جانب مما دار بين موسى وفرعون ... عادت السورة الكريمة ، كما بدأت إلى الحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن إمكانية وقوعه ، وعن أحوال الناس فيه. وعن أن موعد قيامه مرد علمه إلى الله ـ تعالى ـ وحده ، فقال ـ سبحانه ـ :
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)(٤٦)
والخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ...) لأولئك الجاحدين الجاهلين الذين استنكروا إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم ، وقالوا : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ).
وجاء هذا الخطاب على سبيل التقريع والتوبيخ لهم ، حيث بين لهم ـ سبحانه ـ أن إعادتهم إلى الحياة ، ليست بأصعب من خلق السموات والأرض.
و (أَشَدُّ) أفعل تفضيل ، والمفضل عليه محذوف ، لدلالة قوله ـ تعالى ـ : (أَمِ السَّماءُ) عليه.
والمراد بالأشد هنا : الأصعب بالنسبة لاعتقاد المخاطبين ، إذ كل شيء في هذا الكون خاضع لإرادة الله ـ تعالى ـ ومشيئته (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).