معنا ثلاث مرات ، والمراد به هنا : ردعهم وزجرهم عما كانوا فيه من الشرك ، والتطفيف في الكيل والميزان.
والفجار : جمع فاجر ، وهو مأخوذ من الفجور ، وهو شق الشيء شقا واسعا ، وسمى الفجار بذلك مبالغة في هتكهم لحرمات الله ، وشقهم لستر الشريعة ، بدون خوف أو وجل. يقال : فجر فلان فجورا فهو فاجر ، وهم فجار وفجرة ، إذا تجاوزوا كل حد أمر الله ـ تعالى ـ بالوقوف عنده. والمراد بالكتاب المكتوب. أى : صحيفة الأعمال.
والسجّين : اختلفوا في معناه على أقوال منها : أنه علم أو وصف لواد في جهنم ، صيغ بزنة فعّيل ـ بكسر الفاء مع تشديد العين المكسورة ـ ، مأخوذ من السّجن بمعنى الحبس. يقال : سجن الحاكم فلانا يسجنه ـ بضم الجيم ـ سجنا ، إذا حبسه.
قال ابن كثير : قوله : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) أى : إن مصيرهم ومأواهم لفي سجين ، ـ فعيل من السّجن ، وهو الضيق ـ ، كما يقال : فلان فسيق وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك ، ولهذا عظم أمره فقال : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ)؟ أى : هو أمر عظيم ، وسجن مقيم ، وعذاب أليم.
ثم قد قال قائلون : هو تحت الأرض السابعة .. وقيل : بئر في جهنم.
والصحيح أن «سجينا» مأخوذ من السّجن ، وهو الضيق ، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق ، وكل ما تعالى منها اتسع .. ولما كان مصير الفجار إلى جهنم ، وهي أسفل سافلين.
قال ـ سبحانه ـ : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) وهو يجمع الضيق والسفول .. (١).
أى : كلا ، ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنه لا بعث ولا جزاء ، بل الحق أن البعث أمر واقع ، ماله من دافع ، وأن ما عمله هؤلاء الفجار من كفر ومن تطفيف في الكيل والميزان ، لمكتوب في صحائف أعمالهم ، ومسجل عليهم في ديوان الشر الذي يوصلهم إلى قاع جهنم.
وقوله : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) تهويل وتفظيع لهذا الشيء الضيق الذي يؤدى إلى القذف بهم في أعماق جهنم.
وقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) خبر لمبتدأ محذوف يعود إلى «كتاب الفجار» والمرقوم : المكتوب كتابة واضحة بينة تشبه الخط. الظاهر في الثوب المنسوج. يقال : رقم فلان
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧١.