الكتاب ، إذا جعل له رقما ، أى : علامة يعرف بها.
أى : وهو ـ أى : كتاب الفجار ـ كتاب بين الكتابة ، يفهم صاحبه ما فيه فهما واضحا لا خفاء معه ولا التباس. فقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) بيان وتفسير لكتاب الفجار ، وهو ديوان الشر الجامع لأعمالهم السيئة.
ومنهم من جعل قوله ـ تعالى ـ : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) ليس تفسيرا لكتاب الفجار ، وإنما هو تفسير لقوله (سِجِّينٌ).
قال الشوكانى ما ملخصه : وسجين هو ما فسره به ـ سبحانه ـ من قوله (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ) فأخبر بهذا أنه كتاب مرقوم ، أى : مسطور.
ومنهم من جعله بيانا وتفسيرا لكتاب المذكور في قوله (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) على تقدير : هو كتاب مرقوم ، أى : قد بينت حروفه.
والأولى ما ذكرناه أولا ، ويكون المعنى : إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون .. لفي ذلك الكتاب المدون للقبائح ، المختص بالشر ، وهو سجين ، ثم ذكر ما يدل على تهويله ، فقال : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) ثم بينه بقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) (١).
وعلى أية حال ، فالمقصود بيان المصير السيئ الذي ينتظر هؤلاء الفجار ، حيث سجلت عليهم أعمالهم في ديوان الشر الذي يجمع أعمالهم القبيحة ، والتي ستؤدى بهم إلى السجن الدائم ، وإلى العذاب المقيم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) وعيد وتهديد لأولئك المنكرين للبعث ، والذين من صفاتهم تطفيف الكيل والميزان. أى : هلاك عظيم ، وعذاب أليم ، وسجن دائم في قاع جهنم ، لأولئك المكذبين ، للبعث والحساب والجزاء.
ثم فصل ـ سبحانه ـ هذا التكذيب فقال : (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أى : يكذبون بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب.
(وَما يُكَذِّبُ بِهِ) أى : بيوم الدين (إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) أى : وما يكذب بهذا اليوم إلا كل إنسان متجاوز الحدود المشروعة ، ومبالغ في ارتكاب الآثام والقبائح.
هذا المكذب بيوم القيامة من صفاته ـ أيضا ـ أنه (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
__________________
(١) راجع تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٣٩٩ للشوكانى.