أى : إذا تقرأ على هذا المكذب آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق رسولنا .. قال هذه الآيات هي من أساطير الأقوام الأولين وترهاتهم وقصصهم المخترعة التي لا أصل لها.
فأنت ترى أن هؤلاء المكذبين ، قد وصفهم الله ـ تعالى ـ بثلاث صفات هي : الاعتداء على الحق. والمبالغة في ارتكاب الآثام ، والجرأة في الافتراء والكذب ، حيث وصفوا القرآن بأنه ليس من عند الله ـ تعالى ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي حملتهم على أن يقولوا في القرآن ما قالوا ، فقال : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).
وقوله : (رانَ) من الرّين ـ بتشديد الراء مع الفتح ـ وهو الصدأ الذي يعلو الحديد والمرآة وما يشبههما ، يقال : ران ذنب فلان على قلبه ـ من باب باع ـ رينا وريونا ، إذا غلب عليه وغطاه ، وكل ما غلبك فقد ران بك ، ومنه قولهم : ران النعاس على فلان ، إذا استولى عليه. أى : كلا ، ليس الأمر كما زعموا من أن القرآن أساطير الأولين ، بل الحق أن الذي حملهم على قولهم هذا ، هو الكفر والعناد والجحود .. الذي استولى على قلوبهم في الدنيا فغطاها وطمسها ، فصارت لا تميز بين الكلام الحق والكلام الباطل ، ولا بين كلام الله ـ تعالى ـ وكلام غيره.
وفي الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي عن أبى هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب منها صقل قلبه ، أى : عاد إليه صفاؤه ، وإن زاد ـ في الذنوب ـ زادت حتى تعلو قلبه ـ وذلك هو الران الذي قال الله في شأنه : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١).
وقوله : (بَلْ رانَ) قرأه الجمهور بإدغام اللام في الراء بعد قلبها راء لتقارب مخرجيهما. وقرأه عاصم بالوقف الخفيف على لام بل والابتداء بكلمة ران بدون إدغام.
وقوله : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) بيان لسوء مصيرهم يوم القيامة.
وكلا هنا تأكيد لسابقتها لزيادة الردع والزجر ، ويصح أن تكون كلا هنا بمعنى حقا.
أى : حقا إن هؤلاء الفجار سيكونون يوم القيامة في حالة احتجاب وامتناع عن رؤية الله ـ تعالى ـ وعن رضاه.
قال الآلوسى : «كلا» ردع وزجر عن الكسب الرائن ، أو بمعنى حقا «إنهم». أى : هؤلاء المكذبين (عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) لا يرونه ـ سبحانه ـ وهو ـ عزوجل ـ
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧٣.