ووصف ـ سبحانه ـ طعامهم بأنه لا يسمن ولا يغنى من جوع ، لزيادة تقبيح هذا الطعام ، وأنه شر محض ، لا مكان لأية فائدة معه.
قال صاحب الكشاف : الضريع : اليابس من نبات الشبرق ، وهو جنس من الشوك ، ترعاه الإبل مادام رطبا. فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل ..
فإن قلت : كيف قيل : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) وفي الحاقة (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ؟). قلت : العذاب ألوان ، والمعذبون طبقات ، فمنهم : أكلة الزقوم ، ومنهم أكلة الغسلين ، ومنهم أكلة الضريع.
والضريع : منفعتا الغذاء منفيتان عنه : وهما إماطة الجوع ، وإفادة القوة والسمن في البدن. أو أريد : أن لا طعام لهم أصلا ، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم ، فضلا عن الإنس ، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن ، وهما منه بمعزل ، كما تقول : ليس لفلان ظل إلا الشمس. تريد : نفى الظل على التوكيد .. (١).
وبعد هذا الحديث المؤثر عن الكافرين وسوء عاقبتهم .. جاء الحديث عن المؤمنين ونعيمهم ، فقال ـ تعالى ـ : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ. لِسَعْيِها راضِيَةٌ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ).
قال الآلوسى : قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) شروع في رواية حديث أهل الجنة ، وتقديم حكاية أهل النار ، لأنه أدخل في تهويل الغاشية ، وتفخيم حديثها ، ولأن حكاية حسن حال أهل الجنة ، بعد حكاية سوء أهل النار ، مما يزيد المحكي حسنا وبهجة .. وإنما لم تعطف هذه الجملة على تلك الجملة ، إيذانا بكمال التباين بين مضمونهما .. (٢).
أى : وجوه كثيرة تكون يوم القيامة ، ذات بهجة وحسن ، وتكون متنعمة في الجنة بما أعطاها ـ سبحانه ـ من خير عميم ، جزاء عملها الصالح في الدنيا.
(لِسَعْيِها راضِيَةٌ) أى : لعملها الذي عملته في الدنيا راضية ، لأنها قد وجدت من الثواب عليه في الآخرة ، أكثر مما كانت تتوقع وترجو.
فالمراد بالسعي : العمل الذي كان يعمله الإنسان في الدنيا ، ويسعى به من أجل الحصول على رضا خالقه ، وهو متعلق بقوله (راضِيَةٌ). وقدم عليه للاعتناء بشأن هذا السعى.
وقوله ـ تعالى ـ : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) بيان لسمو مكانتهم. أى : هم كائنون في جنة
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٤٢.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١١٤.