عالية ، مرتفعة المكان والمكانة. فقد وصفت الجنة بالعلو ، للمبالغة في حسنها وفي علو منزلتها ، فقد جرت العادة أن تكون أحسن الجنات ، ما كانت مرتفعة على غيرها.
ثم وصف ـ سبحانه ـ هذه الجنة بجملة من الصفات الكريمة فقال : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً). أى : لا تسمع في هذه الجنة كلمة ذات لغو. واللغو : هو الكلام الساقط الذي لا فائدة فيه. أى : أنك ـ أيها المخاطب ـ لا تسمع في الجنة إلا الكلام الذي تسر له نفسك ، وتقرّ به عينك ، فلفظ اللاغية هنا : مصدر بمعنى اللغو ، مثل الكاذبة للكذب ، وهو صفة لموصوف محذوف.
(فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) أى : في هذه الجنة عيون تجرى بالماء العذب الزلال المتدفق.
قال صاحب الكشاف : قوله : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) يريد عيونا في غاية الكثرة ، كقوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ).
فالمراد بالعين هنا : جنس العيون ، وبالجارية : التي لا ينقطع ماؤها .. (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) أى : في الجنة أماكن يجلس عليها أهلها جلوسا مرتفعا عن الأرض.
وينامون فوقها نوما هادئا لذيذا .. والسرر : جمع سرير ، وهو الشيء ذو القوائم المرتفعة الذي يتخذ للجلوس والاضطجاع.
ووصف ـ سبحانه ـ هذه السرر بالارتفاع ، لزيادة تصوير حسنها.
(وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) والأكواب جمع كوب. وهو عبارة عن الإناء الذي تشرب فيه الخمر. أى : وفي الجنة أكواب كثيرة قد وضعت بين أيدى أهلها ، بحيث يشربون من الخمر التي وضعت فيها ، دون أن يجدوا أى عناء في الحصول عليها.
(وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) والنمارق : جمع نمرقة ـ بضم النون وسكون الميم وضم الراء ـ ، وهي الوسادة الصغيرة التي يتكئ عليها الجالس والمضجع. أى : وفي الجنة وسائد كثيرة ، قد صف بعضها إلى جانب بعض صفا جميلا ، بحيث يجدها الجالس قريبة منه في كل وقت.
(وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) والزرابي جمع زربية ـ بتثليث الزاى ـ وهي البساط الواسع الفاخر ، أو ما يشبهه من الأشياء الثمينة التي تتخذ للجلوس عليها. والمبثوثة : أى : المنتشرة على الأرض ، من البث بمعنى النشر ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ).
أى : وفيها بسط فاخرة جميلة .. مبسوطة في كل مكان ، ومتفرقة في كل مجلس.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف الجنة التي أعدها ـ سبحانه ـ لعباده المتقين ، بعدد من الصفات الكريمة المتنوعة.