صلىاللهعليهوسلم كان يفهم المراد منها ، وكذلك بعض أصحابه المقربين ، ولكن الذي ننفيه أن يكون الناس جميعا فاهمين لمعنى هذه الحروف المقطعة في أوائل بعض السور.
وهناك مناقشات أخرى للعلماء حول هذا الرأى ، يضيق المجال عن ذكرها.
أما الرأى الثاني فيرى أصحابه أن المعنى المقصود منها معلوم ، وأنها ليست من المتشابه الذي استأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه.
وأصحاب هذا الرأى قد اختلفوا فيما بينهم في تعيين هذا المعنى المقصود على أقوال كثيرة من أهمها ما يأتى :
أ ـ أن هذه الحروف أسماء للسور ، بدليل قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ حم السجدة حفظ إلى أن يصبح» ، وبدليل اشتهار بعض السور بالتسمية بها كسورة «ص» وسورة «يس».
ولا يخلو هذا القول من الضعف ، لأن كثيرا من السور قد افتتحت بلفظ واحد من هذه الفواتح ، والغرض من التسمية رفع الاشتباه.
ب ـ وقيل : إن هذه الحروف قد جاءت هكذا فاصلة ، للدلالة على انقضاء سورة وابتداء أخرى.
ج ـ وقيل : إنها حروف مقطعة ، بعضها من أسماء الله ـ تعالى ـ ، وبعضها من صفاته ، فمثلا : (الم) أصلها : أنا الله أعلم.
د ـ وقيل : إنها اسم الله الأعظم. إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تخلو من مقال ، والتي أوصلها الإمام السيوطي في كتابه «الإتقان» إلى أكثر من عشرين قولا.
ه ـ ولعل أقرب الآراء إلى الصواب أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت في افتتاح بعض السور ، للإشعار بأن هذا القرآن الذي تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التي يعرفونها ، ويقدرون على تأليف الكلام منها ، فإذا عجزوا عن الإتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه في الفصاحة والبلاغة ، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة.
وفضلا عن ذلك ، فإن تصدير هذه السور بمثل هذه الحروف المقطعة ، يجذب أنظار المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم ، إلى الإنصات والتدبر ، لأنه يطرق أسماعهم في أول التلاوة ألفاظ غير مألوفة في مجاري كلامهم. وذلك مما يلفت أنظارهم ليتبينوا ما يراد منها ، فيسمعوا حكما وحججا قد تكون سببا في هدايتهم واستجابتهم للحق.