صلىاللهعليهوسلم قد نشأ في بيئة منحرفة في عقائدها وأخلاقها ، لم تطمئن نفسه الكريمة إليها ، إلا أنه كان حائرا في الوصول إلى الدين الحق ، فهداه الله ـ تعالى ـ إليه ، والهداية إلى الحق بعد الحيرة والضلال عنه ، منة عظمى ، ونعمة كبرى.
وهناك أقوال أخرى ضعيفة كقولهم : (ضَالًّا) أى : عن القبلة فهداك الله إليها ، أو (ضَالًّا) في شعاب مكة ، فهداك الله وردك إلى عمك أو (ضَالًّا) في سفرك مع عمك إلى الشام ، فردك الله ـ تعالى ـ إليه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) بيان لنعمة ثالثة من نعمه ـ تعالى ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم.
وأصل العائل : الإنسان الذي له عائلة لا يستطيع الإنفاق عليها ، ثم أطلق هذا اللفظ على الإنسان الفقير حتى ولو لم تكن له عائلة أو أسرة ، والفقر يسمى عيلة ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) ـ أى : فقرا ـ (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ ...).
أى : وقد كنت ـ أيها الرسول الكريم ـ فقيرا ، حيث مات أبوك دون أن يترك لك مالا كثيرا ، ونشأت في كنف جدك ثم عمك ، وأنت على هذه الحال. ثم أغناك الله ـ تعالى ـ بفضله وكرمه بنوعين من الغنى :
أما أولهما ـ وهو الأعظم ـ : فهو غنى النفس ، بأن منحك نفسا عفيفة قانعة بما أعطاك ـ سبحانه ـ من رزق ، حتى ولو كان كفافا.
وأما ثانيهما : فهو الغنى المادي عن الاحتياج إلى الناس ، بما أجراه على يديك من الربح في التجارة ، وبما وهبتك زوجك خديجة من مالها ، فعشت مستور الحال ، غير محتاج إلى من ينفق عليك.
وهكذا نجد الآيات الكريمة تبين لنا أن من فضل الله ـ تعالى ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم أنه آواه في يتمه وصغره ، وهداه من ضلاله وحيرته ، وأغناه بعد فقره وحاجته.
وبعد أن عدد ـ سبحانه ـ هذه النعم لنبيه صلىاللهعليهوسلم أمره بشكرها ، وأداء حقوقها.
فقال ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ...) والقهر : التغلب على الغير والإذلال له.
أى : إذا كان الأمر كما أخبرتك من أنك كنت يتيما فآويناك ، وكنت ضالا فهديناك ، وكنت فقيرا فأغنيناك ، فتذكر هذه النعم ، واشكر ربك عليها ، ومن مظاهر هذا الشكر : أن تواسى اليتيم ، وأن تكرمه. وأن تكون رفيقا به .. ولا تكن كأهل الجاهلية الذين كانوا يقهرون الأيتام ويذلونهم ويظلمونهم ..