رسولها حين أمرها بالمعروف ، ونهاها عن المنكر.
فكانت نتيجة إصرارهم على ارتكاب المعاصي والفواحش .. أن أخذهم الله ـ تعالى ـ (أَخْذَةً رابِيَةً) أى : أخذة زائدة في الشدة ـ لزيادة قبائحهم ـ على الأخذات التي أخذ بها غيرهم.
فقوله : (رابِيَةً) مأخوذ من ربا الشيء إذا زاد وتضاعف.
وقال ـ سبحانه ـ (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) ولم يقل رسولهم ، للإشعار بأنهم لم يكتفوا بمعصية الرسول الذي هو بشر مثلهم ، وإنما تجاوزوا ذلك إلى الاستخفاف بما جاءهم به من عند ربهم وخالقهم وموجدهم.
والتعبير بالأخذ ، للإشعار بسرعة الإهلاك وشدته ، فإذا وصف هذا الأخذ بالزيادة عن المألوف ، كان المقصود به الزيادة في الاعتبار والاتعاظ لأن هؤلاء جميعا قد أهلكهم ـ سبحانه ـ هلاك الاستئصال ، الذي لم يبق منهم باقية.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما جرى لقوم نوح ـ عليهالسلام ـ وبين جانبا من مننه ونعمه على المخاطبين ، فقال : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ).
وقوله : (طَغَى) من الطغيان وهو مجاوزة الحد في كل شيء ، والجارية صفة لموصوف محذوف.
أى : اذكروا ـ أيها الناس ـ لتعتبروا وتتعظوا ، ما جرى للكافرين من قوم نوح ـ عليهالسلام ـ فإنهم حين أصروا على كفرهم ، أغرقناهم بالطوفان ، وحين علا الماء واشتد في ارتفاعه اشتدادا خارقا للعادة .. حملنا آباءكم الذين آمنوا بنوح ـ عليهالسلام ـ في السفينة الجارية ، التي صنعها نوح بأمرنا. وحفظناهم ـ بفضلنا ورحمتنا ـ في تلك السفينة إلى أن انتهى الطوفان.
وقد فعلنا ذلك (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً) أى : لنجعل لكم هذه النعمة وهي إنجاؤكم وإنجاء آبائكم من الغرق ـ عبرة وعظة وتذكيرا بنعم الله ـ تعالى ـ عليكم.
وهذه النعمة والمنة (تَعِيَها) وتحفظها (أُذُنٌ واعِيَةٌ). أى : أذن من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه ، وتعى ما يجب وعيه.
فقوله : (واعِيَةٌ) من الوعى بمعنى الحفظ للشيء في القلب. يقال : وعى فلان الشيء يعيه إذا حفظه أكمل حفظ.