أو المعونة ، ولا يسأل قريب قريبه المساعدة والمؤازرة .. لأن كل واحد منهما مشغول بهموم نفسه من شدة هول الموقف ، كما قال ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).
والحميم : هو الصديق الوفي القريب من نفس صديقه.
وضمير الجمع في قوله ـ سبحانه ـ (يُبَصَّرُونَهُمْ) يعود إلى الحميمين ، نظرا لعمومهما ، لأنه ليس المقصود صديقين مخصوصين ، وإنما المقصود كل صديق مع صديقه.
والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا ، إجابة عن سؤال تقديره : ولما ذا لا يسأل الصديق صديقه في هذا اليوم؟ ألأنه لا يراه؟ فكان الجواب : لا ، إنه يراه ويشاهده ، ويعرف كل قريب قريبه ، وكل صديق صديقه في هذا اليوم .. ولكن كل واحد منهم مشغول بهمومه.
قال صاحب الكشاف : (يُبَصَّرُونَهُمْ) أى : يبصر الأحماء الأحماء ، فلا يخفون عليهم ، فلا يمنعهم من المساءلة أن بعضهم لا يبصر بعضا ، وإنما يمنعهم التشاغل.
فإن قلت : ما موقع يبصرونهم؟ قلت : هو كلام مستأنف ، كأنه لمّا قال : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) قيل : لعله لا يبصره ، فقيل في الجواب : يبصرونهم ، ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم.
فإن قلت : لم جمع الضميرين في (يُبَصَّرُونَهُمْ) وهي للحميمين؟ قلت : المعنى على العموم لكل حميمين ، لا لحميمين اثنين (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ حالة المجرمين في هذا اليوم فقال : يوم المجرم أى : يحب المجرم في هذا اليوم ويتمنى.
(لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) أى : يتمنى ويحب لو يفتدى نفسه من عذاب هذا اليوم بأقرب الناس إليه ، وألصقهم بنفسه .. وهم بنوه وأولاده.
ويود ـ أيضا ـ لو يفتدى نفسه ب (صاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ) أى : بزوجته التي هي أحب الناس إليه ، وبأخيه الذي يستعين به في النوائب.
(وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) أى : ويود كذلك أن ينقذ نفسه ، من العذاب بأقرب الأقرباء إليه. وهم أهله وعشيرته التي ينتسب إليها ، إذا الفصيلة هم الأقرباء الأدنون من القبيلة ، والذين هو واحد منهم.
ومعنى (تُؤْوِيهِ) تضمه إليها ، وتعتبره فردا منها ، وتدافع عنه بكل وسيلة.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٠٩.