وقوله : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) داخل في إطار ما يتمناه ويوده.
أى : يود هذا المجرم أن يفتدى نفسه من عذاب هذا اليوم ، بأولاده ، ويصاحبته ، وبأخيه ، وبعشيرته التي هو فرد منها ، وبأهل الأرض جميعا من الجن والإنس.
ثم يتمنى ـ أيضا ـ أن يقبل منه هذا الافتداء ، لكي ينجو بنفسه من هذا العذاب.
فقوله (ثُمَّ يُنْجِيهِ) معطوف على قوله (يَفْتَدِي) ، أى : يود لو يفتدى ثم لو ينجيه الافتداء. وكان العطف بثم ، للإشعار باستبعاد هذا الافتداء ، وأنه عسير المنال.
وقوله : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) معطوف على (بِبَنِيهِ) أى : ويفتدى نفسه بجميع أهل الأرض.
وهكذا نرى الآيات الكريمة تحكى لنا بهذا الأسلوب المؤثر ، حالة المجرم في هذا اليوم ، وأنه يتمنى أن يفتدى نفسه مما حل به من عذاب ، بأقرب وأحب الناس إليه ، بل بأهل الأرض جميعا .. ولكن هيهات أن يقبل منه شيء من ذلك.
ولذا جاء الرد الزاجر له عما تمناه في قوله ـ تعالى ـ (كَلَّا إِنَّها لَظى) وكلا حرف ردع وزجر ، وإبطال لكلام سابق ، وهو هنا ما كان يتمناه ويحبه .. من أن يفتدى نفسه ببنيه ، وبصاحبته وأخيه .. إلخ.
و «لظى» علم لجهنم ، أو لطبقة من طبقاتها. واللظى : اللهب الخالص ، والضمير للنار المدلول عنها بذكر العذاب.
أى : كلا ـ أيها المجرم ـ ليس الأمر كما وددت وتمنيت .. وإنما الذي في انتظارك ، هو النار التي هي أشد ما تكون اشتعالا.
والتي من صفاتها كونها (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) .. أى : قلاعة لجلدة الرأس وأطراف البدن ، كاليد والرجل ، ثم تعود هذه الجلدة والأطراف كما كانت.
فقوله : (نَزَّاعَةً) صيغة مبالغة من النزع بمعنى القلع والفصل. والشوى : جمع شواة ـ بفتح الشين ـ ، وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا ، مثل اليد والرجل. والجمع باعتبار ما لكل أحد من جوارح وأطراف. يقال : فلان رمى فأشوى ، إذا لم يصب مقتلا ممن رماه.
وقيل : الشواة : جلدة الرأس. والجمع باعتبار كثرة الناس.
وهذه النار الملتهبة من صفاتها ـ أيضا ـ أنها (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) أى : تدعو لدخولها والاصطلاء بحرها ، من أدبر وأعرض وتولى عن الحق والرشد ، ونأى بجانبه عن طريق الهدى والاستقامة.