قال ابن كثير : هذه النار تدعو إليها أبناءها الذين خلقهم الله ـ تعالى ـ لها وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها ، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طلق ذلق ـ أى : فصيح بليغ ـ ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر ، كما يلتقط الطير الحب ، وذلك أنهم كانوا كما قال ـ سبحانه ـ ممن أدبر وتولى. أى : ممن كذب بقلبه ، وترك العمل بجوارحه (١).
(وَجَمَعَ فَأَوْعى) أى جمع المال بعضه على بعض فأوعاه ، أى : فأمسكه في وعائه وكنزه ومنع حق الله ـ تعالى ـ فيه ، وبخل به على مستحقيه. فقوله (فَأَوْعى) أى : فجعله في وعاء. وفي الحديث الشريف ، يقول صلىاللهعليهوسلم : «لا توعى ـ أى لا تجمع مالك في الوعاء على سبيل الكنز ـ فيوعى الله عليك» ـ أى : فيمنع الله ـ تعالى ـ فضله عنك ، كما منعت وقترت.
وفي قوله ـ سبحانه ـ (وَجَمَعَ) إشارة إلى الحرص والطمع ، وفي قوله (فَأَوْعى) إشارة إلى بخله وطول أمله.
قال قتادة : (جَمَعَ فَأَوْعى) : كان جموعا للخبيث من المال.
وبعد هذا البيان المؤثر الحكيم عن طبائع المجرمين ، وعن أهوال يوم الدين ، وعن سوء عاقبة المكذبين .. اتجهت السورة الكريمة إلى الحديث عن سجايا النفوس البشرية في حالتي الخير والشر ، والغنى والفقر ، والشكر والجحود .. واستثنت من تلك السجايا نفوس المؤمنين الصادقين ، فقال ـ تعالى ـ.
(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٥٢.