بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدّمة المؤلف
(كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت : ٣].
يروي المفتقر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى محمد بن محمد بن يحيى زبارة الحسني اليمني ـ غفر الله له وللمؤمنين ـ للقاضي الحافظ الشهير محمد بن علي بن محمد الشوكاني الصنعاني ، المتوفى سنة ١٢٥٠ هجرية ، عن المولى الجهبذ الكبير سيف الإسلام أحمد بن قاسم بن عبد الله حميد الدين أبقاه الله تعالى ، عن السيد الحافظ عبد الكريم بن عبد الله أبي طالب الحسني اليمني ، المتوفى سنة ١٣٠٩ ه ، عن القاضي الحافظ أحمد بن محمد بن علي الشوكاني ، المتوفى سنة ١٢٨١ ه ، عن أبيه المؤلف. قال رحمهالله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل كتابه المبين كافلا ببيان الأحكام ، شاملا لما شرعه لعباده من الحلال والحرام ، مرجعا للأعلام عند تفاوت الأفهام وتباين الأقدام وتخالف الكلام ، قاطعا للخصام شافيا للسقام مرهما للأوهام. فهو العروة الوثقى التي من تمسك بها فاز بدرك الحق القويم ، والجادّة الواضحة التي من سلكها فقد هدي إلى الصراط المستقيم. فأيّ عبارة تبلغ أدنى ما يستحقه كلام الحكيم من التعظيم؟ ، وأيّ لفظ يقوم ببعض ما يليق به من التكريم والتفخيم؟. كلا والله إن بلاغات البلغاء المصاقع ، وفصاحات الفصحاء البواقع ، وإن طالت ذيولها ، وسالت سيولها ، واستنت بميادينها خيولها ، تتقاصر عن الوفاء بأوصافه ، وتتصاغر عن التشبث بأدنى أطرافه ، فيعود جيدها عنه عاطلا ، وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا ، فهو كلام من لا تحيط به العقول علما ، ولا تدرك كنهه الطباع البشرية فهما ، فالاعتراف بالعجز عن القيام بما يستحقه من الأوصاف العظام أولى بالمقام ، وأوفق بما تقتضيه الحال من الإجلال والإعظام. والصلاة والسلام على من نزل إليه الروح الأمين ، بكلام ربّ العالمين ، محمد سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وعلى آله المطهرين ، وصحبه المكرّمين.
وبعد : فإن أشرف العلوم على الإطلاق ، وأولاها بالتفضيل على الاستحقاق ، وأرفعها قدرا بالاتفاق ، هو علم التفسير لكلام القويّ القدير ، إذا كان على الوجه المعتبر في الورود والصدر ، غير مشوب بشيء من التفسير بالرأي الذي هو من أعظم الخطر ، وهذه الأشرفية لهذا العلم غنية عن البرهان ، قريبة إلى الأفهام والأذهان ، يعرفها من يعرف الفرق بين كلام الخلق والحق ، ويدري بها من يميز بين كلام البشر ، وكلام