والإعرابي والبياني بأوفر نصيب ، والحرص على إيراد ما ثبت من التفسير عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو الصحابة أو التابعين أو تابعيهم ، أو الأئمة المعتبرين. وقد أذكر ما في إسناده ضعف ، إما لكونه في المقام ما يقوّيه ، أو لموافقته للمعنى العربي ، وقد أذكر الحديث معزوّا إلى راويه من غير بيان حال الإسناد ، لأني أجده في الأصول التي نقلت عنها كذلك كما يقع في تفسير ابن جرير والقرطبي وابن كثير والسيوطي وغيرهم ، ويبعد كل البعد أن يعلموا في الحديث ضعفا ولا يبيّنونه ، ولا ينبغي أن يقال فيما أطلقوه إنهم قد علموا ثبوته ، فإن من الجائز أن ينقلوه من دون كشف عن حال الإسناد ، بل هذا هو الذي يغلب به الظن ، لأنهم لو كشفوا عنه فثبتت عندهم صحته لم يتركوا بيان ذلك ، كما يقع منهم كثيرا التصريح بالصحة أو الحسن ، فمن وجد الأصول التي يروون عنها ويعزون ما في تفاسيرهم إليها فلينظر في أسانيدها موفقا إن شاء الله.
واعلم أن تفسير السيوطي المسمى ب «الدرّ المنثور» قد اشتمل على غالب ما في تفاسير السلف من التفاسير المرفوعة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وتفاسير الصحابة ومن بعدهم ، وما فاته إلا القليل النادر. وقد اشتمل هذا التفسير على جميع ما تدعو إليه الحاجة منه مما يتعلق بالتفسير ، مع اختصار لما تكرّر لفظا واتحد معنى بقولي : ومثله أو نحوه ، وضممت إلى ذلك فوائد لم يشتمل عليها وجدتها في غيره من تفاسير علماء الرواية ، أو من الفوائد التي لاحت لي من تصحيح أو تحسين أو تضعيف ، أو تعقب أو جمع أو ترجيح.
فهذا التفسير وإن كبر حجمه ، فقد كثر علمه ، وتوفر من التحقيق قسمه ، وأصاب غرض الحق سهمه ، واشتمل على ما في كتب التفاسير من بدائع الفوائد ، مع زوائد فوائد وقواعد شوارد ، فإن أحببت أن تعتبر صحة هذا فهذه كتب التفسير على ظهر البسيطة ، انظر تفاسير المعتمدين على الرواية ، ثم ارجع إلى تفاسير المعتمدين على الدراية ، ثم انظر في هذا التفسير بعد النظرين ، فعند ذلك يسفر الصبح لذي عينين ، ويتبيّن لك أن هذا الكتاب هو لبّ اللباب ، وعجب العجاب ، وذخيرة الطلاب ، ونهاية مأرب الألباب. وقد سميته :
«فتح القدير»
«الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير»
مستمدا من الله سبحانه بلوغ الغاية ، والوصول بعد هذه البداية إلى النهاية ، راجيا منه جلّ جلاله أن يديم به الانتفاع ويجعله من الذخائر التي ليس لها انقطاع.
واعلم أن الأحاديث في فضائل القرآن كثيرة جدا ، ولا يتم لصاحب القرآن ما يطلبه من الأجر الموعود به في الأحاديث الصحيحة حتى يفهم معانيه ، فإن ذلك هو الثمرة من قراءته.
قال القرطبي : ينبغي له أن يتعلّم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه ، فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو ؛ فما أقبح بحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم معنى ما يتلوه ، فكيف يعمل بما لا يفهم معناه ، وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه! فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا. وينبغي له أن يعرف المكّي من المدنيّ ، ليفرّق بين ما خاطب الله به عباده في أوّل الإسلام ،