سورة الفاتحة
معنى الفاتحة في الأصل أوّل ما من شأنه أن يفتتح به ، ثم أطلقت على أوّل كل شيء كالكلام ، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية ، فسميت هذه السورة «فاتحة الكتاب» لكونه افتتح بها ، إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف ، وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز ، وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت هذه السورة الشريفة بهذا الاسم في أيام النبوّة. قيل : هي مكية ، وقيل : مدنية.
وقد أخرج الواحديّ في أسباب النزول ، والثعلبيّ في تفسيره عن عليّ رضي الله عنه قال : نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوّة ، والثعلبيّ والواحديّ من حديث عمرو بن شرحبيل : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما شكا إلى خديجة ما يجده عند أوائل الوحي ، فذهبت به إلى ورقة فأخبره فقال له : «إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي : يا محمد يا محمد يا محمد! فأنطلق هاربا في الأرض ، فقال : لا تفعل ، إذا أتاك فاثبت حتّى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني ؛ فلمّا خلا ناداه يا محمّد قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، حتّى بلغ ولا الضّالّين» الحديث. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن رجل من بني سلمة قال : لما أسلم فتيان بني سلمة وأسلم ولد عمرو بن الجموح قالت امرأة عمرو له : هل لك أن تسمع من ابنك ما روى عنه؟ فسأله فقرأ عليه : الحمد لله رب العالمين ، وكان ذلك قبل الهجرة. وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن عبادة قال : فاتحة الكتاب نزلت بمكة. فهذا جملة ما استدل به من قال إنها نزلت بمكة.
واستدلّ من قال إنها نزلت بالمدينة بما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ، وأبو سعيد بن الأعرابي في معجمه ، والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة : رنّ (١) إبليس حين أنزلت فاتحة الكتاب. وأنزلت بالمدينة.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبو نعيم في الحلية وغيرهم من طرق عن مجاهد قال : نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة ، وقيل إنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة جمعا بين هذه الروايات.
وتسمّى «أمّ الكتاب» قال البخاري في أول التفسير : وسميت أمّ الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة. وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن أيوب عن محمد بن سيرين كان يكره أن يقول أمّ الكتاب ويقول : قال الله تعالى : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٢) ولكن يقول : فاتحة الكتاب. ويقال لها الفاتحة لأنها يفتتح بها القراءة ، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام. قال ابن كثير في تفسيره :
__________________
(١). رنّ : صاح.
(٢). الرعد : ٣٩.