(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قراءة السبعة وغيرهم بتشديد الياء ، وقرأ عمرو بن فائد بتخفيفها مع الكسر ؛ وقرأ الفضل والرقاشي بفتح الهمزة ؛ وقرأ أبو السوار الغنوي «هياك» في الموضعين وهي لغة مشهورة. والضمير المنفصل هو «إيا» وما يلحقه من الكاف والهاء والياء هي حروف لبيان الخطاب والغيبة والتكلم ، ولا محل لها من الإعراب كما ذهب إليه الجمهور ، وتقديمه على الفعل لقصد الاختصاص ، وقيل للاهتمام ، والصواب أنه لهما ولا تزاحم بين المقتضيات. والمعنى : نخصّك بالعبادة ونخصّك بالاستعانة ، لا نعبد غيرك ولا نستعينه ، والعبادة أقصى غايات الخضوع والتذلّل. قال ابن كثير : وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف ، وعدل عن الغيبة إلى الخطاب لقصد الالتفات ، لأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كان أحسن تطرية لنشاط السامع ، وأكثر إيقاظا له كما تقرر في علم المعاني. والمجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد ، وقيل : إن المقام لمّا كان عظيما لم يستقلّ به الواحد استقصارا لنفسه واستصغارا لها ، فالمجيء بالنون لقصد التواضع لا لتعظيم النفس ؛ وقدمت العبادة على الاستعانة لكون الأولى وسيلة إلى الثانية ، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب ، وإطلاق الاستعانة لقصد التعميم. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : إياك نعبد : يعني إياك نوحد ونخاف يا ربنا لا غيرك ، وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها. وحكى ابن كثير عن قتادة أنه قال في : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) : يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم. وفي صحيح مسلم من حديث المعلّى ابن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تعالى : قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل ، إذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال : أثنى عليّ عبدي ، فإذا قال : مالك يوم الدين ، قال : مجّدني عبدي ، فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين ، قال : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل». وأخرج أبو القاسم البغوي والماوردي معا في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزاة فلقي العدوّ فسمعته يقول : «يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين» قال : فلقد رأيت الرجال تصرع فتضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها.
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قرأه الجمهور بالصاد ، وقرئ «السراط» بالسين ، و «الزراط» بالزاي ، والهداية قد يتعدى فعلها بنفسه كما هنا ، وكقوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (١) ، وقد يتعدى بإلى كقوله : (اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢) (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) (٣) (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤) وقد يتعدّى باللام كقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) (٥) (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (٦) ، قال الزمخشري : أصله أن يتعدّى باللام أو بإلى انتهى. وهي الإرشاد أو التوفيق أو الإلهام أو الدلالة. وفرّق كثير من المتأخرين بين معنى المتعدي بنفسه وغير المتعدي فقالوا : معنى الأوّل الدلالة ، والثاني
__________________
(١). البلد : ١٠.
(٢). النحل : ١٢١.
(٣). الصافات : ٢٣.
(٤). الشورى : ٥٢.
(٥). الأعراف : ٤٣.
(٦). الإسراء : ٩.