(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) انتصب صراط على أنه بدل من الأوّل ، وفائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير ، ويجوز أن يكون عطف بيان ، وفائدته الإيضاح ، والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (١) وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام ؛ وغير المغضوب عليهم بدل من الذين أنعمت عليهم ، على معنى : أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال ، أو صفة له على معنى : أنهم جمعوا بين النعمتين نعمة الإيمان والسلامة من ذلك ، وصحّ جعله صفة للمعرفة مع كون غير لا تتعرف بالإضافة إلى المعارف لما فيها من الإبهام ، لأنها هنا غير مبهمة لاشتهار المغايرة بين الجنسين. والغضب في اللغة قال القرطبي : الشدة ، ورجل غضوب : أي شديد الخلق ، والغضوب : الحيّة الخبيثة لشدتها. قال : ومعنى الغضب في صفة الله : إرادة العقوبة فهو صفة ذاته ، أو نفس العقوبة ، ومنه الحديث «إن الصدقة لتطفئ غضب الربّ» فهو صفة فعله. قال في الكشاف : هو إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم ، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده ؛ والفرق بين عليهم الأولى وعليهم الثانية ، أن الأولى في محل نصب على المفعولية ، والثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل. و «لا» في قوله ولا الضّالّين تأكيد النفي المفهوم من غير ؛ والضّلال في لسان العرب قال القرطبي : هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق ، ومنه ضلّ اللبن في الماء : أي غاب ، ومنه (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) (٢) أي غبنا بالموت وصرنا ترابا. وأخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ «صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضّالّين» وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد أن عبد الله بن الزبير قرأ كذلك. وأخرج ابن الأنباري ، عن الحسن أنه كان يقرأ «عليهمي» بكسر الهاء والميم وإثبات الياء. وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج أنه كان يقرأ «عليهمو» بضم الهاء والميم وإلحاق الواو. وأخرج أيضا عن ابن كثير أنه كان يقرأ «عليهمو» بكسر الهاء وضم الميم مع إلحاق الواو. وأخرج أيضا عن أبي إسحاق أنه قرأ «عليهم» بضم الهاء والميم من غير إلحاق واو. وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة والأسود أنهما كانا يقرءان كقراءة عمر السابقة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يقول : طريق من أنعمت عليهم من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنهم المؤمنون. وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال : النبيون. (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قال : اليهود. (وَلَا الضَّالِّينَ) قال : النصارى. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج عبد الرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال : «أخبرني من سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بوادي القرى على فرس له ، وسأله رجل من بني القين فقال : من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ قال : اليهود ، قال : فمن الضّالون؟ قال : النصارى». وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذرّ
__________________
(١). النساء : ٦٩ ـ ٧٠.
(٢). السجدة : ١٠.