وقد ورد ما يدل على كراهة أن يقول القائل سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله. فأخرج ابن الضريس ، والطبراني في الأوسط ، وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، بسند ضعيف عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ، ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة ، والسورة التي يذكر فيها آل عمران ، وكذا القرآن كله» قال ابن كثير : هذا حديث غريب لا يصح رفعه ، وفي إسناده يحيى بن ميمون الخوّاص وهو ضعيف الرواية لا يحتج به. وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن ابن عمر قال : «لا تقولوا سورة البقرة ، ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة». وقد روي عن جماعة من الصحابة خلاف هذا. فثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي ، فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأهل السنن والحاكم وصحّحه عن حذيفة ، قال : صلّيت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة من رمضان فافتتح البقرة ، فقلت يصلي بها في ركعة ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلا. الحديث. وأخرج أحمد وابن الضريس والبيهقي عن عائشة قالت : «كنت أقوم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الليل فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء». وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن عوف بن مالك الأشجعي قال : «قمت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة ، فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلّا وقف» الحديث.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم (١))
(الم) قال القرطبي في تفسيره : اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور ، فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين : هي سرّ الله في القرآن ، ولله في كل كتاب من كتبه سرّ ، فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا نحبّ أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها ، وتمدّ كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب. قال : وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا : الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسّر. وقال أبو حاتم : لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور ، ولا ندري ما أراد الله عزوجل. قال : وقال جمع من العلماء كثير : بل نحبّ أن نتكلم فيها ونلتمس الفوائد التي تحتها ، والمعاني التي تتخرج عليها. واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة ، فروي عن ابن عباس وعليّ أيضا عن الحروف المقطعة في القرآن : اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها. وقال قطرب والفرّاء وغيرهما : هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحدّاهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي بناء كلامهم عليها ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم. قال قطرب : كانوا ينفرون عند استماع القرآن ، فلما نزل (الم) و (المص) استنكروا هذا اللفظ ، فلما أنصتوا له صلىاللهعليهوسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم. وقال قوم : روي أن المشركين لما أعرضوا عن القرآن بمكة وقالوا (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) (١) فأنزلها استغربوها ، فيفتحون أسماعهم ،
__________________
(١). فصلت : ٢٦.