سئمت تكاليف الحياة ومن يعش |
|
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم |
أي : لا تملوا أن تكتبوه ، أي : الدين الذي تداينتم به ؛ وقيل : الحق ؛ وقيل : الشاهد ؛ وقيل : الكتاب ، نهاهم الله سبحانه عن ذلك لأنهم ربما ملوا من كثرة المداينة أن يكتبوا ، ثم بالغ في ذلك فقال : (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) أي : حال كون ذلك المكتوب صغيرا أو كبيرا ، أي : لا تملوا في حال من الأحوال سواء كان الدين كثيرا أو قليلا ؛ وقيل : إنه كنى بالسآمة عن الكسل. والأول أولى. وقدّم الصغير هنا على الكبير للاهتمام به لدفع ما عساه أن يقال إن هذا مال صغير ، أي : قليل لا احتياج إلى كتبه ، والإشارة في قوله : (ذلِكُمْ) إلى المكتوب المذكور في ضمير قوله : (أَنْ تَكْتُبُوهُ) و (أَقْسَطُ) معناه : أعدل ، أي : أصح وأحفظ (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) أي : أعون على إقامة الشهادة ، وأثبت لها ، وهو مبني من : أقام ، وكذلك أقسط مبني من فعله ، أي : أقسط. وقد صرح سيبويه بأنه قياسي ، أي : بنى أفعل التفضيل. ومعنى قوله : (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) أقرب لنفي الريب في معاملاتكم ، أي : الشك ، ولذلك إن الكتاب الذي يكتبونه يدفع ما يعرض لهم من الريب كائنا ما كان. قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) أن في موضع نصب على الاستثناء قاله الأخفش ، وكان تامة : أي إلا أن تقع أو توجد تجارة ، والاستثناء منقطع ، أي : لكن وقت تبايعكم وتجارتكم حاضرة بحضور البدلين ، (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) تتعاطونها يدا بيد ، فالإدارة : التعاطي والتقابض ، فالمراد : التبايع الناجز يدا بيد ، فلا حرج عليكم إن تركتم كتابته. وقرئ : بنصب تجارة ، على أن كل ناقصة ، أي : إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة. قوله : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) قيل معناه : وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع المذكور هنا ، وهو التجارة الحاضرة على أن الإشهاد فيها يكفي ؛ وقيل : معناه : إذا تبايعتم أيّ تبايع كان حاضرا أو كالئا (١) ، لأن ذلك أدفع لمادة الخلاف وأقطع لمنشأ الشجار. وقد تقدّم قريبا ذكر الخلاف في كون هذا الإشهاد واجبا أو مندوبا. قوله : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل ، أو للمفعول ؛ فعلى الأوّل معناه : لا يضارر كاتب ولا شهيد من طلب ذلك منهما ، إما بعدم الإجابة ، أو بالتحريف ، والتبديل ، والزيادة والنقصان في كتابته ؛ ويدل على هذا قراءة عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وابن أبي إسحاق : «ولا يضارر» بكسر الراء الأولى ؛ وعلى الثاني : لا يضارر كاتب ولا شهيد ، بأن يدعيا إلى ذلك وهما مشغولان بمهمّ لهما ، ويضيق عليهما في الإجابة ، ويؤذيا إن حصل منهما التراخي ، أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد ، ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود : «ولا يضارر» بفتح الراء الأولى ، وصيغة المفاعلة تدل على اعتبار الأمرين جميعا. وقد تقدّم في تفسير قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) (٢) ما إذا راجعته زادك بصيرة إن شاء الله. قوله : (وَإِنْ تَفْعَلُوا) أي : ما نهيتم عنه من المضارة (فَإِنَّهُ) أي : فعلكم هذا (فُسُوقٌ بِكُمْ) أي : خروج عن الطاعة إلى المعصية ،
__________________
(١). ورد في الحديث أنه صلىاللهعليهوسلم : نهى عن الكالئ بالكالئ. أي : النسيئة بالنسيئة ، وذلك أن يشتري الرجل شيئا إلى أجل ، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي به ، فيقول : بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شيء ، فيبيعه منه ، ولا يجري بينهما تقابض. [النهاية ٤ / ١٩٤].
(٢). البقرة : ٢٣٣.