فيسمعون بالقرآن بعدها ، فتجب عليهم الحجة. وقال جماعة : هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها ، كقول ابن عباس وغيره : الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد. وذهب إلى هذا الزجّاج فقال : أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى. وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة كقوله :
فقلت لها قفي ، فقالت قاف
أي : وقفت. وفي الحديث : «من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة» قال شقيق : هو أن يقول في اقتل اق كما قال صلىاللهعليهوسلم : «كفى بالسّيف شا» أي شافيا ، وفي نسخة شاهدا. وقال زيد بن أسلم : هي أسماء للسور. وقال الكلبي : هي أقسام أقسم الله بها لشرفها وفضلها وهي من أسمائه.
ومن أدقّ ما أبرزه المتكلمون في معاني هذه الحروف ما ذكره الزمخشري في الكشاف فإنه قال : واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عزّ سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء ، وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء : وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم ، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف. بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ، ومن الجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون ، ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء والقاف ، ومن الرخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون ، ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء ، ومن المنفتحة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون ، ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء ، ومن المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والتاء والعين والسين والحاء والنون ، ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء. ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكنوزة بالمذكورة منها ، فسبحان الذي دقّت في كل شيء حكمته ، وقد علمت أن معظم الشيء وجلّه ينزل منزلة كله ، وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته ، فكأن الله عزّ اسمه عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم ، وما يدل على أنه تعمّد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعا في تراكيب الكلم ، أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين ، وهي فواتح سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة والأعراف والرعد ويونس وإبراهيم وهود ويوسف والحجر انتهى. وأقول : هذا التدقيق لا يأتي بفائدة يعتدّ بها ، وبيانه أنه إذا كان المراد منه إلزام الحجة والتبكيت كما قال ، فهذا متيسر بأن يقال لهم : هذا القرآن هو من الحروف التي تتكلمون بها ليس هو من حروف مغايرة لها ، فيكون هذا تبكيتا وإلزاما يفهمه كل سامع منهم من دون إلغاز وتعمية وتفريق لهذه الحروف في فواتح تسع وعشرين سورة ، فإن هذا مع ما فيه من التطويل الذي لا يستوفيه سامعه إلا بسماع جميع هذه الفواتح ، هو أيضا مما لا يفهمه أحد من السامعين ولا يتعقل شيئا منه ، فضلا عن أن يكون تبكيتا له وإلزاما للحجة أيا كان ، فإن ذلك هو أمر وراء الفهم ، مترتب عليه ولم يفهم السامع هذا ، ولا ذكر أهل العلم عن فرد من أفراد الجاهلية الذين وقع التحدي لهم بالقرآن أنه بلغ