الميم بحركة الألف ، وكذا قال الفراء. وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد ، فلا محل لها من الإعراب ، وإن جعلت أسماء للسورة فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها ، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر ، أو اقرأ ، أو نحوهما ، وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما يغني عن الإعادة. وقوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مبتدأ وخبر ، والجملة مستأنفة ، أي : هو المستحق للعبودية. والحيّ القيوم : خبران آخران للاسم الشريف ، أو خبران لمبتدأ محذوف ، أي : هو الحي القيوم ، وقيل : إنهما صفتان للمبتدأ الأول ، أو بدلان منه ، أو من الخبر ، وقد تقدّم تفسير الحيّ والقيوم. وقرأ جماعة من الصحابة : القيام ؛ عمر ، وأبي بن كعب ، وابن مسعود. قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي : القرآن ، وقدم الظرف على المفعول به للاعتناء بالمنزل عليه صلىاللهعليهوسلم ، وهي : إما جملة مستأنفة ، أو خبر آخر للمبتدأ الأوّل. قوله : (بِالْحَقِ) أي : بالصدق ، وقيل : بالحجة الغالبة البالغة ، وهو في محل نصب على الحال. وقوله : (مُصَدِّقاً) حال آخر من الكتاب مؤكدة ، لأنه لا يكون إلّا مصدقا ، فلا تكون الحال منتقلة أصلا ، وبهذا قال الجمهور ، وجوّز بعضهم الانتقال على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره. وقوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي : من الكتب المنزلة ، وهو متعلق بقوله : مصدقا ، واللام للتقوية. قوله : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) هذه الجملة في حكم البيان لقوله : لما بين يديه. وإنما قال هنا أنزل وفيما تقدّم نزّل : لأن القرآن نزل منجما ، والكتابان نزلا دفعة واحدة ، ولم يذكر في الكتابين من أنزلا عليه ، وذكر فيما تقدّم : أن الكتاب نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأن القصد هنا ليس إلّا إلى ذكر الكتابين لا ذكر من نزلا عليه. وقوله : (مِنْ قَبْلُ) أي : أنزل التوراة والإنجيل من قبل تنزيل الكتاب. وقوله : (هُدىً لِلنَّاسِ) إما : حال من الكتابين ، أو علة للإنزال. والمراد بالناس : أهل الكتابين ، أو ما هو أعمّ ، لأن هذه الأمة متعبدة بما لم ينسخ من الشرائع. قال ابن فورك : هدى للناس المتقين ، كما قال في البقرة هدى للمتقين ، قوله : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) أي : الفارق بين الحق والباطل وهو القرآن ، وكرر ذكره تشريفا له مع ما يشتمل عليه هذا الذكر الآخر من الوصف له بأنه يفرق بين الحق والباطل ، وذكر التنزيل أولا والإنزال ثانيا لكونه جامعا بين الوصفين ، فإنه أنزل إلى سماء الدنيا جملة ، ثم نزل منها إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم مفرّقا منجما على حسب الحوادث كما سبق ، وقيل : أراد بالفرقان جميع الكتب المنزلة من الله تعالى على رسله ؛ وقيل : أراد الزبور لاشتماله على المواعظ الحسنة ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي : بما يصدق عليه أنه آية من الكتب المنزلة وغيرها ، أو بما في الكتب المنزلة المذكورة ، على وضع آيات الله موضع الضمير العائد إليها ، وفيه بيان الأمر الذي استحقوا به الكفر (لَهُمْ) بسبب هذا الكفر (عَذابٌ شَدِيدٌ) أي : عظيم (وَاللهُ عَزِيزٌ) لا يغالبه مغالب (ذُو انْتِقامٍ) عظيم ، والنقمة : السطوة ، يقال انتقم منه : إذا عاقبه بسبب ذنب قد تقدّم منه. قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) هذه الجملة استئنافية لبيان سعة علمه وإحاطته بالمعلومات ، وعبر عن معلوماته بما في الأرض والسماء مع كونها أوسع من ذلك : لقصور عباده عن العلم بما سواهما من أمكنة مخلوقاته وسائر معلوماته ، ومن جملة ما لا يخفى عليه : إيمان من آمن من خلقه وكفر من كفر. قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ)