أصل اشتقاق الصورة من : صاره إلى كذا ، أي : أماله إليه ، فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة ، وأصل الرحم من : الرحمة لأنه مما يتراحم به ، وهذه الجملة مستأنفة ، مشتملة على بيان إحاطة علمه ، وأن من جملة معلوماته ما لا يدخل تحت الوجود ، وهو : تصوير عباده في أرحام أمهاتهم من نطف آبائهم كيف يشاء ، من حسن ، وقبيح ، وأسود ، وأبيض ، وطويل ، وقصير. وكيف : معمول يشاء ، والجملة : حالية.
وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر عن جعفر بن محمد بن الزبير قال : «قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد نجران ستون راكبا ، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، فكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم أبو حارثة ابن علقمة ، والعاقب ، وعبد المسيح ، والسيد ، وهو : الأيهم ، ثم ذكروا القصة في الكلام الذي دار بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأن الله أنزل في ذلك صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الربيع ، فذكر وفد نجران ومخاصمتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم في عيسى عليهالسلام ، وأن الله أنزل : (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ). وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد في قوله : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) قال : لما قبله من كتاب أو رسول. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة نحوه ، وقال في قوله : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) هو القرآن ، فرق بين الحق والباطل ، فأحل فيه حلاله ، وحرّم فيه حرامه ، وشرع فيه شرائعه ، وحدّ فيه حدوده ، وفرض فيه فرائضه ، وبين فيه بيانه ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته. وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) أي : الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره ، وفي قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) أي : إن الله ينتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها. وفي قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي : قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى إذ جعلوه ربا وإلها ، وعندهم من علمه غير ذلك غرّة بالله وكفرا به (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) قد كان عيسى ممن صور في الأرحام ، لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صوّر غيره من بني آدم ، فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله : (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) قال : ذكورا وإناثا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من الصحابة في قوله : (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) قال : إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوما ، ثم تكون علقة أربعين يوما ، ثم تكون مضغة أربعين يوما ، فإذا بلغ أن يخلق ؛ بعث الله ملكا يصوّرها ، فيأتي الملك بتراب بين إصبعيه فيخلط منه المضغة ، ثم يعجنه بها ثم يصوّر كما يؤمر فيقول : أذكر أم أنثى ، أشقيّ أم سعيد ، وما رزقه ، وما عمره ، وما أثره ، وما مصائبه؟ فيقول الله ويكتب الملك ، فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) قال : من ذكر وأنثى ، وأحمر وأسود ، وتامّ الخلق وغير تام الخلق.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ