لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) (١). وأما قراءة النصب فمعناها واضح جليّ ، لأنه عطف الرحم على الاسم الشريف ، أي : اتقوا الله واتقوا الأرحام فلا تقطعوها ، فإنهما مما أمر الله به أن يوصل ؛ وقيل : إنه عطف على محل الجار والمجرور في قوله : (بِهِ) كقولك مررت بزيد وعمرا ، أي : اتقوا الله الذي تساءلون به وتتساءلون بالأرحام. والأوّل أولى. وقرأ عبد الله بن يزيد : والأرحام بالرفع على الابتداء ، والخبر مقدّر ، أي : والأرحام صلوها ، أو : والأرحام أهل أن توصل ، وقيل : إن الرفع على الإغراء عند من يرفع به ، ومنه قول الشاعر :
إنّ قوما منهم عمير وأشبا |
|
ه عمير ومنهم السّفّاح |
لجديرون باللّقاء إذا قا |
|
ل أخو النّجدة : السّلاح السّلاح |
والأرحام : اسم لجميع الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره ، لا خلاف في هذا بين أهل الشرع ، ولا بين أهل اللغة. وقد خصص أبو حنيفة وبعض الزيدية الرحم بالمحرم في منع الرجوع في الهبة ؛ مع موافقتهم على أن معناها أعم ، ولا وجه لهذا التخصيص. قال القرطبي : اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة ، وأن قطيعتها محرّمة. انتهى. وقد وردت بذلك الأحاديث الكثيرة الصحيحة. والرقيب : المراقب ، وهي صيغة مبالغة ، يقال : رقبت ، أرقب ، رقبة ورقبانا : إذا انتظرت. قوله : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) خطاب للأولياء والأوصياء. والإيتاء : الإعطاء. واليتيم : من لا أب له. وقد خصصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم. وقد تقدم تفسير معناه في البقرة مستوفى ، وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطائهم أموالهم ـ مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتيم بالبلوغ ـ مجازا ؛ باعتبار ما كانوا عليه ؛ ويجوز أن يراد : باليتامى ؛ المعنى الحقيقي ، وبالإيتاء : ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة ، لا دفعها جميعا ، وهذا الآية مقيدة بالآية الأخرى وهي قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (٢) فلا يكون مجرد ارتفاع اليتم بالبلوغ مسوغا لدفع أموالهم إليهم ، حتى يؤنس منهم الرشد. قوله : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) نهي لهم عن أن يصنعوا صنع الجاهلية في أموال اليتامى ، فإنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى ويعوضونه بالرديء من أموالهم ، ولا يرون بذلك بأسا ، وقيل : المعنى : لا تأكلوا أموال اليتامى ـ وهي محرّمة خبيثة ـ وتدعوا الطيب من أموالكم ، وقيل : المراد : لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم ، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله. والأوّل أولى ؛ فإن تبدل الشيء بالشيء في اللغة : أخذه مكانه ، وكذلك استبداله ، ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (٣) وقوله : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (٤). وأما التبديل : فقد يستعمل كذلك ، كما في قوله : (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) (٥) ، واخرى بالعكس ، كما في قولك : بدّلت الحلقة بالخاتم : إذا أذبتها وجعلتها خاتما ، نص عليه الأزهري. قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) ذهب جماعة من المفسرين : إلى أن المنهي عنه في هذه الآية : هو الخلط ، فيكون الفعل مضمنا معنى الضم ، أي : لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم ، ثم نسخ هذا بقوله تعالى : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) (٦) وقيل : إن : إلى ، بمعنى : مع ، كقوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٧). والأوّل أولى. والحوب : الإثم ، يقال : حاب الرجل ، يحوب ، حوبا : إذا أثم ، وأصله : الزجر للإبل ،
__________________
(١). الحجر : ٢٠.
(٢). النساء : ٦.
(٣). البقرة : ١٠٨.
(٤). البقرة : ٦١.
(٥). سبأ : ١٦.
(٦). البقرة : ٢٢٠.
(٧). آل عمران : ٥٢.