فسمى الإثم : حوبا ، لأنه يزجر عنه. والحوبة : الحاجة. والحوب أيضا : الوحشة ، وفيه ثلاث لغات : ضم الحاء ، وهي قراءة الجمهور. وفتح الحاء ، وهي قراءة الحسن ، قال الأخفش : وهي لغة تميم. والثالثة : الحاب ، وقرأ أبيّ بن كعب : حابا ، على المصدر ، كقال قالا. والتحوب : التحزن ، ومنه قول طفيل :
فذوقوا كما ذقنا غداة محجّر |
|
من الغيظ في أكبادنا والتّحوّب (١) |
وقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا) وجه ارتباط الجزاء بالشرط : أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه وليا لها ويريد أن يتزوجها فلا يقسط لها في مهرها ، أي : يعدل فيه ، ويعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج ، فنهاهم الله أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ ، ويبلغوا بهنّ أعلى ما هو لهنّ من الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهنّ من النّساء سواهنّ ، فهذا سبب نزول الآية كما سيأتي ، فهو نهي يخص هذه الصورة. وقال جماعة من السلف : إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أوّل الإسلام ، من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء ، فقصرهم بهذه الآية على أربع ، فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا ألا يقسطوا في اليتامى فكذلك يخافون ألا يقسطوا في النساء ، لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء ، والخوف من الأضداد ، فإن المخوف قد يكون معلوما ، وقد يكون مظنونا ، ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية ، فقال أبو عبيدة (خِفْتُمْ) : بمعنى : أيقنتم. وقال آخرون : (خِفْتُمْ) : بمعنى : ظننتم. قال ابن عطية : وهو الذي اختاره الحذاق ، وأنه على بابه من الظن ، لا من اليقين ؛ والمعنى : من غلب على ظنه التقصير في العدل لليتيمة فليتركها وينكح غيرها. وقرأ النخعي ، وابن وثاب : تقسطوا بفتح التاء ، من : قسط : إذا جار ، فتكون هذه القراءة على تقدير زيادة لا ، كأنه قال : وإن خفتم أن لا تقسطوا. وحكى الزجاج : أن أقسط ، يستعمل استعمال قسط ، والمعروف عند أهل اللغة : أن أقسط بمعنى : عدل ، وقسط : بمعنى جار ، و «ما» في قوله : (ما طابَ) موصولة ، وجاء بها مكان من لأنهما قد يتعاقبان فيقع كل واحد منهما مكان الآخر كما في قوله : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (٢) (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) (٣). وقال البصريون : إن «ما» تقع للنعوت كما تقع لما لا يعقل ، يقال ما عندك ، فيقال : ظريف وكريم ، فالمعنى : فانكحوا الطيب من النساء ، أي : الحلال ، وما حرّمه الله فليس بطيب ، وقيل : إن «ما» هنا : مدّية ، أي : ما دمتم مستحسنين للنكاح ، وضعفه ابن عطية. وقال الفراء : إن «ما» ها هنا : مصدرية. قال النحاس : وهذا بعيد جدا. وقرأ ابن أبي عبلة فانكحوا من طاب. وقد اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له ، وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة ، و «من» في قوله : (مِنَ النِّساءِ) إما : بيانية ، أو : تبعيضية ، لأن المراد غير اليتائم. قوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) في محل نصب على البدل من (ما) كما قاله أبو علي الفارسي ؛ وقيل : على الحال ، وهذه الألفاظ لا تنصرف للعدل والوصفية كما هو مبين في علم النحو والأصل : انكحوا ما طاب
__________________
(١). محجّر : اسم موضع. وفي الديوان : «أجوافنا» بدل : أكبادنا.
(٢). الشمس : ٢.
(٣). النور : ٤٥.