انتفاع الموتى بقراءة القرآن (١)
يقرأ كثير من الناس القرآن ثم يهبه للميت ، فهل ينفعه ذلك؟
آيات وأحاديث : تعرف هذه المسألة بمسألة إهداء ثواب العبادة للموتى ، وقد اختلفت فيها آراء العلماء ، ومنشأ الاختلاف أنه وجد فى القرآن آيات تبين سنة الله فى الثواب والعقاب ، وفى تبديل السيئات بالحسنات ، ووجدت أحاديث صحيحة صريحة فى أن الوالدين ينتفعان بصدقة ولدهما ، أو صومه ، أو حجه عنهما ؛ فمن الآيات قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] ، وقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس : ٩ ، ١٠] ، وقوله : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠] ، وقوله : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) [النجم : ٣٣] ، فهذه الآيات ونحوها ظاهرة فى أن الإنسان لا ينتفع إلا بسعيه وعمله الذى يزكى نفسه بالنية الطيبة والإخلاص لله.
أما الأحاديث التى وردت فى الموضوع ، فكلها تدور حول الجواب عن سؤال واحد ، هو : هل ينتفع أبى وأمى إذا صمت أو تصدقت أو حججت عنهما؟ وكان الجواب : نعم ينفعه ذلك.
اختلاف العلماء :
وأمام هذه الآيات وتلك الأحاديث اختلفت آراء العلماء ، فرأى فريق أن الآيات مقدمة فى العمل على الأحاديث ، والأحاديث ليس لها قوة الحكم على الآيات ، وبذلك قرروا أن الإنسان لا ينتفع بعمل غيره أيّا كان ذلك العمل ، وكيفما كان ذلك الغير.
ورأى فريق آخر أن الأحاديث صريحة فى انتفاع الوالدين بصدقة ولدهما أو حجه أو صومه عنهما ، ثم قالوا : لا فرق بين الولد وغيره ، وبذلك قرروا أن الإنسان ينتفع بعد موته بعمل غيره متى أهدى ثوابه إليه ، وإن لم يكن من ولده ، وقالوا : إن الثواب ملك للعامل ، فله أن يتبرع به ويهديه إلى أخيه المسلم ، ثم خرج هؤلاء الآيات تخريجا أوهن من موقفهم أمام المانعين ، وكذلك كان موقفهم فى قياس غير الولد الذى لم يرد به نص ، على الولد الذى ورد به نص مع وجود الفارق بينهما.
أما الدعاء فهو عبادة مستقلة ، ثوابها للداعى فقط ، والمدعو له إنما ينتفع بالاستجابة إذا حصلت ، والاستجابة ليست أثرا لإهداء الداعى ثواب دعائه للميت ، وإنما هى شأن
__________________
(١) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت.