جدال أهل الكتاب :
وقال الكاتب فى صفحة (١٧٨) ما نصه : ولقد أمر الإسلام معتنقيه أمرا ألا يجادلوا أصحاب الديانات الأخرى إلا بالتى هى أحسن ، (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت : ٤٦] ، وما ذلك إلا ليشعروا أن المتدين أخو المتدين ، وإن اختلفا فى بعض الآراء والأفكار.
وذكر الكاتب قبل كلامه هذا أن من أصحاب الديانات أتباع كنفشيوس فى الصين ، وبوذا فى الهند ، وزاردشت بالفرس ، وإخناتون المصرى القديم ، وقال : إنه لا يحق لمسلم أن يزدريهم أو أن يحقرهم ، فقد يكونون من الرسل الذين لم يقص القرآن قصصهم.
ونقول له قبل أن نتكلم معه فى الآية الكريمة التى ساقها دليلا على دعواه : إن الرسل الذين لم يقصهم الله تعالى علينا فى القرآن هم ضمن الغيب الذى لم يطلعنا الله عليه لحكمة يعلمها هو ، فعلينا أن نؤمن بأن هناك رسلا دعت الناس إلى توحيد الله وعبادته دون أن نعرف أشخاصهم وأزمنتهم وما لابس وجودهم من وقائع وحوادث ، فقد قال العلماء فى قوله تعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [النساء : ١٦٤] ، معناه أن هناك رسلا سميناهم لك فى القرآن ، وعرفناك أخبارهم ، وإلى من بعثوا من الأمم ، وما حصل لهم من قومهم ، وقوله : (لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) ، أى لم نسمهم لك ، ولم نعرفك أخبارهم ، فمجرد تجويز أنهم رسل لا يكفى أبدا لإعطائهم قداسة الرسل.
ولنتكلم معه فى الآية : نقول : إنه لم يسق الآية بتمامها ، وفى ذلك تغطية للحقيقة وستر لها عن أعين المتطلعين إليها والراغبين فى معرفتها ، فالآية فى سوقها هذا تدل على أن لا نجادل إلا بالتى هى أحسن دائما أبدا ، وهذا غير مراد قطعا بدليل قوله سبحانه بعد هذا مباشرة : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، ولنذكر معنى الآية بعد ذلك ، فنقول :
قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) [العنكبوت : ٤٦] ، أى اليهود والنصارى ظنا منكم أن الجدال ينفع ، أو يزيد فى اليقين ، أو يرد واحدا عن ضلال مبين ، (إِلَّا بِالَّتِي) ، أى المجادلة التى (هِيَ أَحْسَنُ) ، كمعارضة الخشونة باللين ، والغضب بالكظم والدعاء إلى الله تعالى بآياته ، والتنبيه على حججه كما قال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [المؤمنون : ٩٦].