والنعيم المقيم فى الجنة ، هو الإيمان بالقرآن وسائر الكتب السماوية السابقة عليه ، قال تعالى فى أول سورة البقرة فى بيان وصف المتقين : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) [البقرة : ٤] ، قال المفسرون عند هذه الآية : والإيمان بالإنزالين جملة فرض عين ، وبالأول دون الثانى تفصيلا من حيث إنا متعبدون بتفاصيله فرض ، ولكن على الكفاية ؛ لأن وجوبه على كل أحد يوجب الحرج ويشوش المعاش.
قال تعالى من هذه السورة أيضا : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٦].
(وَالْأَسْباطِ) جمع سبط ، وهو الحافد ، والمراد حفدة يعقوب وأبناؤه وذراريه ، فإنهم حفدة إبراهيم وإسحاق ، وقد نسبت صحف إبراهيم إلى الأسباط ؛ لأنهم كانوا متعبدين بتفاصيلها ، داخلين تحت أحكامها ، فكأنها أنزلت إليهم ، كما أن القرآن لهذا الاعتبار نزل إلينا.
ثم قال تعالى كذلك فى هذه السورة : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ) [البقرة : ١٧٧].
اختلف نظر المفسرين فى بيان المخاطب بهذه الآية ، وعلى أى قول منها ، فهى دليل واضح على أن الإيمان لن تكون له حقيقة منجية إلا إذا كان بجميع الأنبياء وما نزل إليهم.
قال فريق : إن المراد بالمخاطب أهل الكتاب ، وعليه يكون المعنى : ليس البر صلاة اليهود إلى المغرب ، وصلاة النصارى إلى المشرق ، فإنهم أكثروا الخوض فى أمر القبلة حين حوّلت ، وادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته ، فرد الله تعالى عليهم وقال : ليس البر ما أنتم عليه ، فإنه منسوخ ، ولكن البر ما فى هذه الآية. وقوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) على تأويل حذف مضاف ، أى بر من آمن ، أو بتأويل البر بمعنى ذى البر ، أى ولكن البر الذى ينبغى أن يهتم به بر من آمن ، أو لكن ذا البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب ، أى الكتب ، إن أريد به الجنس ، وإلا فالقرآن.
ويرى البعض أن المخاطبين هم المسلمون ، والمعنى عليه : ليس البر كله فى الصلاة ،