الفصل الثانى
إلزام القرآن للماديين والمليّين
١ ـ معنى المادة والماديين
كثر إطلاق المادة على مجموع الأجرام التى يتألف منها العالم المشاهد ، وعلى ذلك فالماديون هم الذاهبون إلى نفى كل موجود سوى المادة المذكورة ، وأن وصف الوجود مختص بما يدرك بالحواس الخمس ، لا يتناول شيئا وراءه ، ويقال لهم : الطبيعيون ، وذلك أنهم سئلوا عن منشأ الاختلاف فى صور المواد وعوارضها ، والتنوع الواقع فى آثارها ، فنسبوه إلى طبيعة هذه الأشياء ، ومن زعمهم أن المادة وجدت بنفسها ، ويستحيل أن تكون من العدم ، قالوا : لأن العقل لا يمكن أن يتصور مادة تتلاشى إلى درجة العدم ، فكيف يحكم بوجودها فى زمن من الأزمان فى حالة لا يمكن أن تصير إليها ، وزعموا أن العالم لم يزل ولا يزال لا يتغير ولا يضمحل ، وهذا العالم هو الممسك لهذه الأجزاء التى فيه ، إلى آخر مفترياتهم وادعاءاتهم الفارغة.
وقد بطل قولهم : أن العقل لا يمكن أن يتصور مادة تتلاشى إلى درجة العدم ، بما ثبت فى هذه الأيام عن طريق الحس والتجربة من تحول المادة وتلاشيها إلى قوة صرفة ، ومعنى محض.
وبما أنهم قالوا بأزلية المادة ، فقد أنكروا الخالق ، وبما أنهم قالوا بعدم زوال هذا العالم ، وأنه لا يضمحل أبدا ، فقد أنكروا البعث ، وبضرورة الحال ينكرون رسالة خاتم النبيين محمد صلىاللهعليهوسلم.
هذا وقد أبطل العلماء قدم المادة ، حيث قالوا (١) : ومما أحال قدم المادة ، أن القديم لا بدّ من كونه كاملا ، موجودا بذاته ، لا يقبل تغيرا ، هذه أخص أوصافه ، وذلك لأنه لو كان غير كامل ، للزم أن يتكامل بغيره متصاعدا ، حتى يصل إلى كائن كامل فى ذاته ، لا يفتقر إلى غيره ، ولو كان غير موجود بذاته ، للزم أن يكون له علة قد أوجدته ، فلا يكون أزليا ، ولو كان يقبل التغير ، لتواردت عليه البدايات والنهايات ، فكان غير قديم.
__________________
(١) من كتاب دلائل التوحيد ، للعلامة القاسمى ، بتصرف.