أربعة عشر قرنا من الزمان ، فالحاكم والمحكوم أمام قانون الشريعة سواء ، يقام الحد على أعظم الملوك سلطانا ، وعلى أقل الناس شأنا ، وفى فرض الزكاة تعاون جماعى بين المسلمين وترابط قوى بينهم ، يقيهم مصارع الهلكة ، ومأساة البغى والحسد ، كما أنه لا تفاضل فى الإسلام الذى جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم بالنسب ، والمنصب ، والجاه ، بل بالتقوى ، أعنى معرفة الله وتوحيده وطاعته ، وما أبدع قول من قال :
لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه |
|
فلا تترك التقوى اتكالا على الحسب |
فقد رفع الإسلام سلمان فارس |
|
وقد وضع الكفر الحسيب أبا لهب |
وفى هذا المعنى يقول عمر فى شأن أبى بكر الذى أعتق بلالا ، رضى الله عن الجميع : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا ، إلى غير ذلك مما تضيق به الصحائف ، ولا يتسع له الوقت ، فالحق أنا لا نجد تفسيرا لهذا الذى جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم إلا أنه وحى من عند الله رب العالمين الذى أحاط بكل شىء علما.
ونسوق كذلك بعض آيات من القرآن الكريم تضمنت شيئا من الأبحاث الكونية والطبيعية التى لا مفر للماديين من الاعتراف بها ، وبذلك يكونون محجوجين ملزمين بأن ما أتى به محمد صلىاللهعليهوسلم وحى إلهى ، وبالتالى أنه رسول حقا ويقينا.
١ ـ قال الله تعالى فى سورة يونس : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [يونس : ٥].
ففي قوله : (ضِياءً) إشارة إلى ما قرره الباحثون فى هذا الباب من أن القمر يستمد نوره من ضوء الشمس ، حيث أن لفظ : (ضِياءً) يدل على معنى أجمع وأقوى من كلمة : «نور» ، وفى قوله : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) ، إشارة إلى علم الهيئات الذى هو فرع مهم من فروع علم الفلك ، تدور عليه مصالح الناس ومواقيتهم.
٢ ـ قال تعالى فى سورة الحجر : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [الحجر : ١٩] ، وقال بعد آية واحدة من نفس السورة : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر : ٢١].
فالآيتان تشملان ما قاله الباحثون فى الطبيعيات ، من أن العناصر الداخلة فى تركيب الأجسام تكون على نسب معينة ، وموازين مقدرة ، كما قال تعالى فى سورة