آدم تذكيرا لهم بأعظم نعمه ؛ ليستدلوا به على وحدانية المنعم من حيث إنه لا يقدر عليه غيره ، فإن تذكير النعمة يوجب المحبة ، وترك المنازعة ، وحصول الانقياد ، ويدعو إلى مقابلتها بالشكر لمنعمها.
وتخصيص نعمة الوجود ، وما تتوقف عليه الحياة من المسكن والمعاش لكونها أدعى إلى التفكير فى أن هذه النعم المخلوقة لا يقدر على إيجاد شىء منها إلا خالق ليس كمثله شىء ، حتى يتيقنوا بأن ربهم إله واحد منزه عن الشركاء والأنداد ، ولا يجعلوا شيئا من المخلوقات ندا له ، وهم يعلمون أن شيئا منها لا يقدر على نحو ما هو قادر عليه.
أما الثانى : وهو نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم :
فقد أفصح له سبحانه بقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) [البقرة : ٢٣] ، ففي هذه الآية الكريمة احتجاج قائم على نفى الريب عن القرآن ، وهو يتضمن فى الوقت نفسه الاحتجاج على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم فيما ادعاه من النبوّة ؛ لأن حقيقة القرآن تستلزم ذلك ، فكانت هذه الآية من دلائل النبوّة بهذا الاعتبار.
والآية تعلم الكافة بنبوّة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم من حيث القرآن المعجز بفصاحته وإفحامه من طولب بمعارضته ، إلا أنهم لقصور نظرهم لم يتفطنوا لإعجازه ، وقالوا : إنه مختلق مفترى ، ويبعد كونه كلام الله تعالى ؛ لأنه لو كان من عند الله تعالى ، لأنزل جملة واحدة مخالفا ما يكون من عند الناس ؛ لأن ما يوجد عندهم من الكلام المنظوم والمنثور إنما يوجد مفرقا منجما حينا بعد حين ، شيئا بعد شىء ، حسبما يعنّ لهم من الأحوال المتجددة والحاجات السانحة.
فلما رأوا القرآن العظيم هكذا نجوما ، سورة بعد سورة ، وآيات بعد آيات ، حسب النوازل ، وكذا الحوادث ، قالوا : هذا لا يشبه كلام الله تعالى ، وإنا لفى شك منه مريب ؛ لأنه لو كان كلام الله تعالى لأنزله جملة واحدة على خلاف عادة الناس ، كما حكى الله تعالى عنهم بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] ، فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ...) [البقرة : ٢٣] الآية ، أى إن ارتبتم فى هذا الذى نزل على التدريج ، فهاتوا أنتم نجما من نجومه ، فإنه أيسر عليكم من أن ينزل دفعة ، فيتحدى بالمجموع ، فيكون التحدى حينئذ بكل القرآن لا ببعضه كما