الفصل الثاني
المذاهب الاعتقادية
توطئة :
امتاز الإسلام بعقيدته الواضحة الصافية ، التي تخاطب العقل والوجدان جميعا ، وتسلك في سبيل إقناع الناس بها طريقا وسطا بين المنطق والعاطفة لا تجد فيه أمتا ولا عوجا ، ولسنا نقصد بالمنطق ذلك العلم الذي تقررت أصوله وتحددت قواعده لدى اليونان ، واتسم بغير قليل من الغموض والتعقيد ، وإنما نريد به لفت العقول المستقيمة إلى ما يغص به الكون الفسيح من أعلام واضحة وأدلة مقنعة على وجود الله وقدرته ووحدانيته ، والتي لا تملك هذه العقول أمامها إلا الإذعان والتسليم ؛ قال تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ٧٥] ، وقال كذلك : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢٠ ، ٢١] ، والحق أن الآيات التي تؤدي هذا المعنى وتلفت إليه في القرآن الكريم أكثر من أن تحصى.
ولا ريب أن وجود رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين المسلمين يميط اللثام لصحابته عما التبس عليهم من مسائل العقيدة ، ويجيب عما يضطرب في نفوسهم وضمائرهم من أمور مشكلة قد اشتبهت عليهم ـ قد عصم المسلمين من التردي في هوة الخلاف والجدل الذي ينفي من القلوب يقين الاعتقاد ، ويبث فيها بذور الشك والارتياب.
وتدلنا الآثار الصحيحة أن شيئا من التفكير في أصول الدين والنظر في بعض مسائله قد مس عقول نفر من الصحابة مسّا رفيقا ، وإن لم يمعنوا النظر أو يوغلوا في الدرس ، فقد روي أن أحد الصحابة حين أخبرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بأن كل إنسان قد كتب مقعده من النار أو الجنة قال : ففيم العمل إذن يا رسول الله؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (١).
وروي أيضا عن أبي ذر الغفاري أن النبي صلىاللهعليهوسلم حين أخبره بأن من مات من أمته لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، سأله أبو ذر بقوله : وإن زنى وإن سرق؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «وإن زنى وإن سرق» (٢).
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٣ / ٣٣٢) كتاب القدر باب «وكان أمر الله قدرا مقدورا» (٦٦٠٥) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤٠) كتاب القدر كيفية خلق الآدمي (٧ / ٢٦٤٧) عن علي بن أبي طالب.
(٢) أخرجه البخاري (٣ / ٤٤٥) كتاب الجنائز باب في الجنائز (١٢٣٧) ، ومسلم (١ / ٩٤ ـ ٩٥) كتاب الإيمان باب من مات لا يشرك بالله شيئا (١٥٣ / ٩٤).