في الموضوع» (١).
فلا غرو أن كان المسلمون على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبعد وفاته بقليل على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه ، غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا على حد تعبير البغدادي.
ويسعنا أن نضيف إلى ما سلف أن المسلمين في عهد أبي بكر الصديق قد شغلوا بقمع المرتدين ، وفتح الأمصار والأقاليم لنشر الدعوة الإسلامية وبثها في الآفاق ، فصرفوا إلى الدعوة نفسها أكثر مما عنوا بالنظر فيها والجدال حولها.
بيد أن الفتح نفسه وما ترتب عليه من اتساع رقعة الإسلام كان عاملا من عوامل الاختلاف حول العقائد الإسلامية ، وسببا أصيلا من أسباب الشقاق الفكري الذي صار معلما بارزا من معالم الحياة الإسلامية حتى الآن ، على نحو ما سوف نشير إليه بعد قليل.
نعم المسلمون بتلك الحالة التي أشرنا إليها من الاستقرار الديني والهدوء الفكري مدة خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب وشطرا من خلافة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وعرف الاختلاف طريقه إلى المسلمين منذ عهد عثمان نفسه ، وكان مقتله ذروة هذا الاختلاف الذي تجاوز المناقشات الفكرية والحوارات الهادئة إلى المناجزة العنيفة في ميادين القتال وساحات الوغى ، ونشأ من هذه وتلك فرق سياسية اصطرعت حول «مبدأ الخلافة» ، وأدلى كل منها بما يحسبه صوابا في ميدان السياسة ، وهي : الشيعة والخوارج ثم المرجئة ويمكن أن يضاف إليها الحزب الأموي «وهذه الأحزاب وإن كانت في الواقع سياسية ، إلا أنها لم تتخذ الشكل السياسي البحت ، بل اصطبغت بصبغة دينية قوية ، وصار كل حزب سياسي فرقة دينية ، وصار الذين يقتتلون سياسيّا يقتتلون دينيّا ، ولكل حزب أدلته الدينية التي يؤيد بها رأيه ، وأخذ كل حزب يؤول في القرآن حسبما يوافق نزعته ورأيه» (٢).
وأثارت هذه الفرق مسألة مرتكب الكبيرة ، واحتدم النزاع فيما بينها حول نسبته إلى الكفر أو الإيمان ، وهل هو كافر مخلد في النار أم مؤمن يدخله الله برحمته الجنة ، «ولقد ساقهم الخلاف في هذه المسألة إلى الخلاف في تعريف الكفر والإيمان والكبائر والصغائر ونحو ذلك ، وتكون من كل منهم فرق لها آراؤها في الأصول والفروع مما كان أساسا فيما بعد لعلم الكلام» (٣).
__________________
(١) تاريخ المذاهب الإسلامية (ص ٩٨).
(٢) نصيب المعتزلة في تطور علم الكلام (ص ٣).
(٣) السابق ، الصفحة نفسها.