إطار من السرية الشديدة والحيطة الحذرة (١).
ثم خلفه أبو سلمة الخلال وكان سمحا كريما فصيحا عالما بالأخبار والأشعار والسير والجدل والتفسير ، وقد نهض بأمر الدعوة في طورها العسكري العنيف (٢).
ودرج المؤرخون على تقسيم الدعوة العباسية إلى طورين متعاقبين مرت بهما (٣).
أما الأولى : فتبدأ مع مطلع القرن الثاني الهجري وتنتهي بانضمام أبي مسلم الخراساني إليها ، ولم تصطنع الدعوة العباسية في هذا الطور أسلوب العنف والشدة ، وإنما جنحت إلى الدعوة السلمية التي امتازت بشيء غير قليل من السرية والكتمان ؛ إذ كان الدعاة يجوبون البلاد الإسلامية متظاهرين بالتجارة أو أداء فريضة الحج.
أما الطور الثاني : فيبدأ بانضمام أبي مسلم الخراساني إلى الدعوة العباسية (٤) ، وهو الطور الذي نشبت فيه الحروب بين بني أمية وبني عباس ، والتي أفضت إلى زوال السيادة الأموية وقيام الدولة العباسية.
الدعوة في خراسان :
لقيت الدعوة العباسية في خراسان شيئا غير قليل من العنت والمحن إبان ولاية أسد بن عبد الله القسري ، على الرغم مما حرص عليه الدعاة من إضفاء السرية عليها.
ولم يكتب للدعوة في خراسان الذيوع والانتشار إلا بعد وفاة أسد بن عبد الله سنة ١٢٠ ه ، وعمد الدعاة في خراسان إلى جملة مبادئ وشعارات ، وجدوا أن إذاعتها وترديدها جدير بأن يجذب العرب والموالي الفرس جميعا إلى الدعوة العباسية كتحقيق مبدأ المساواة الذي كانت تتستر وراءه نزعات متباينة ، والذي أيده جماعات كبيرة من الشعوبيين العجم ؛ لأنه يحقق لهم مكاسب تهدف إلى إحياء المجد الفارسي القديم ، كما أيده آخرون من العرب على أساس تسوية الموالي بالعرب ؛ استنادا إلى مبدأ الفقهاء في
__________________
(١) ينظر : ابن الأثير الكامل في التاريخ (٥ / ٢٥ ، ١٣٦) ، (١٤٠ ، ١٩٦ ، ٢١٨) ، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (٧ / ١١٧ ، ١٨٦ ، ٢٢٩ ، ٢٥٢) البداية والنهاية (١٠ / ١٨).
(٢) ينظر : تاريخ الطبري حوادث سنة (١٣٢) ه وفيات الأعيان (٢ / ١٩٥ ـ ١٩٧) سير أعلام النبلاء (٦ / ٧١) ، البداية والنهاية (١٠ / ٥٥) شذرات الذهب لابن العماد (١ / ١٩١).
(٣) د / حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام (٢ / ١٣).
(٤) ينظر : ترجمته في : شذرات الذهب (١ / ١٧٩) ، تاريخ بغداد (١٠ / ٢٠٧) ، العبر (١ / ٣٨٦) ، ميزان الاعتدال (٢ / ٥٨٩) ، لسان الميزان (٣ / ٤٣٦) ، سير أعلام النبلاء (٦ / ٤٨) ، تاريخ الطبري (٧ / ٤٧٩) ، المعارف (٣٧٠) ، البدء والتاريخ (٦ / ٧٨) ، تاريخ الإسلام للذهبي الطبقة الرابعة عشرة ص ٥٨١ ، وفيات الأعيان (٣ / ١٤٥) ، الكامل لابن الأثير (٥ / ٣٦٦).