منها.
ولقد حمل هذا المنهج الاعتزالي أحد المشتغلين بالفكر الفلسفي في الإسلام إلى التصريح بأن المعتزلي لم يكن يأبه أن تكون النصوص الدينية متوافقة مع أصوله الفلسفية أو غير متوافقة ، وأن كل ما يرمي إليه هو دعم الأصل العقلي الذي وصل إليه (١).
كان المعتزلة يرون أن العقل أصل والسمع ـ أي النقل ـ فرع ، ولا يجوز تقديم الفرع على الأصل ، ومن هنا كان تقديمهم العقل على النقل.
ويتمثل النقل لدى المعتزلة في ثلاثة أدلة : الكتاب ، والخبر المجمع عليه ، والإجماع ، «وقد عولوا جميعا في بحوثهم على القرآن ، أما الحديث فقد اختلفوا في موقفهم منه ، فواصل لم يقبل منه إلا المتواتر أو المشهور ، وعمرو بن عبيد شكك في الرواية والرواة ، وأبو الهذيل العلاف يرفض المتواتر ، وبلغت هذه النزعة أوجها عند النظام الذي أنكر بعض الأحاديث ، ورفض الإجماع ، ولكن هذه النزعة قد خفت ومالت إلى الاعتدال عند المتأخرين من المعتزلة ، وخاصة القاضي عبد الجبار وتلاميذه الذين اعتدوا بالحديث» (٢).
وللدليل النقلي عند المعتزلة ضوابط وشروط ، لا يأخذون به إلا عند تحققها فيه ، وهي :
أولا : ألا يتعارض مع العقل ؛ لأن العقل حجة الله والشرع حجة الله ، وحجج الله تتعاضد ولا تتعارض.
ثانيا : أن يكون قطعي الثبوت ؛ ولذلك فهم لا يأخذون بأحاديث الآحاد ولا يعولون عليها في مسائل الاعتقاد.
ثالثا : أن يكون قطعي الدلالة بحيث لا يحتمل تأويلا (٣).
رابعا : الأصول الخمسة التي قال بها المعتزلة :
ثمة أصول خمسة أجمع المعتزلة ـ مع تعدد فرقهم وتباينها ـ على القول بها ، ولم ينتحل نحلة المعتزلة متكلم إلا وقد آمن بها ؛ قال أبو الحسن الخياط في كتابه الانتصار : «وليس أحد يستحق اسم الاعتزال ، حتى يجمع القول بالأصول الخمسة : التوحيد ، والعدل ، والوعد والوعيد ، والمنزلة بين المنزلتين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
__________________
(١) د / علي سامي النشار ، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (١ / ٢٥٧).
(٢) د / عبد المقصود عبد الغني ، دراسات في علم الكلام (ص ٨٤).
(٣) شرح الأصول الخمسة (ص ٢٦٩).