فيتناهى ، ولا يجوز عليه الفناء ، ولا يلحقه العجز والنقص ، تقدس عن ملامسة النساء وعن اتخاذ الصاحبة والأبناء»].
ونستطيع أن نزعم أن طريقة المعتزلة في فهم التوحيد تتكئ عندهم على بعض آيات القرآن الكريم التي اصطبغت بصبغة التنزيه ؛ كقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، وقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٣ ، ٤].
ومهما يكن الدافع الذي سلك بالمعتزلة هذا الطريق في النظر إلى التوحيد ، فإن هذا الأصل عندهم ترتب عليه نتائج أخرى تكشف عن رأيهم في بعض مسائل الاعتقاد.
رأي المعتزلة في الصفات :
الصفات عند المعتزلة قسمان : صفات سلبية تسلب عن الله ما لا يليق به ، وصفات ثبوتية أو إيجابية.
ولم يجد المعتزلة في إثبات الصفات السلبية لله سبحانه ما يتعارض مع مفهومهم عن التوحيد ، أو يمس فكرة التنزيه كما يفهمونها من القرآن الكريم.
من هذه الصفات : القدم ، وتنفي هذه الصفة عن الله الحدوث ، والوحدانية وتنفي عن الله التعدد ، ومخالفة الحوادث.
«أما الصفات الثبوتية أو الإيجابية التي تتعلق بإثبات معنى زائد على الذات ـ ومن هذه الصفات : العلم والقدرة والإرادة والحياة ـ فقد نفى المعتزلة اتصاف الله بها أو أكثرها ؛ لأن إثباتها يتعارض مع فهمهم للتوحيد» (١).
فقد رأى المعتزلة أن إثبات هذه الصفات لله يجعلها مشاركة له في القدم ، ويعني هذا تعدد القدماء مع ما فيه من معارضة لفكرة التوحيد ، كما يؤدي إثباتها إلى الوقوع في التعدد الذي وقع فيه النصارى الذين قالوا بوجود ثلاثة أقانيم في الذات الإلهية ، الأب والابن والروح القدس. ولا يخفى أن منهج المعتزلة في النظر إلى صفات الله يتعارض مع القرآن الكريم الذي أثبت هذه الصفات لله ، وكذا فهمها الصحابة ولم يجادلوا فيها.
وثمة صفات أخرى تصف الله بما يوهم مشابهته للإنسان : كوصف الله بأن له وجها أو عينا أو يدا ، ووصفه بالاستواء على العرش والنزول إلى السماء وغير ذلك.
وقد وجد المعتزلة أن الإيمان بهذه الصفات دون تأويل يقود إلى التجسيم الذي
__________________
(١) د / عبد المقصود (ص ٨٧).