يتعارض مع هذا العدل أن يحاسب الله الإنسان على أفعال ليست من إرادته أو اختياره.
كما يترتب على عدم القول بذلك بطلان التكليف والأوامر والنواهي ؛ لأن الاختيار مناطها ، كما يبطل الثواب والعقاب ؛ لأنه لا معنى لأن يعاقب المرء أو يثاب على غير فعله ، وتنتفي الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الكتب.
وثمة دليل آخر احتج به المعتزلة على حرية الإنسان وإرادته ، خلاصته : أن الله تعالى لو كان هو الفاعل المريد لأفعال العباد ، لنسب إليه عزوجل ما يقع على أيديهم من المعاصي والشرور والقبائح ، وهو أمر لا يصح أن يوصف الله به (١).
واستدل المعتزلة لصحة ما ذهبوا إليه بآيات كثيرة من القرآن الكريم تثبت للإنسان إرادة حرة واختيارا مقصودا ؛ كقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ، ٨] ، وكقوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران : ٣٠].
على هذا النحو كان رأي المعتزلة في حرية الإنسان ، ورأوا أن القول به يجعل التكليف مستساغا والثواب مقبولا والعقاب عادلا وينزه الله تعالى عن الشرور والآثام التي تجري على يد الإنسان.
٣ ـ الوعد والوعيد :
ربط المعتزلة بين العمل والجزاء ربطا وثيقا ، فجاء قولهم بالوعد والوعيد ملائما لهذا الربط ، فالله تعالى وعد الطائعين ثوابا عظيما وجنة خالدة وأوعد المذنبين عقابا أليما ونارا يصلونها ، والواجب على الله تعالى ألا يخلف وعده أو وعيده ؛ لما ينطوي عليه ذلك من فعل القبيح والله لا يفعل القبيح.
يقول أحد الباحثين مصورا رأي المعتزلة في وجوب الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية :
«أما وجوب الثواب على الطاعة فلأن التكاليف الشاقة التي كلفنا الله بها ليست إلا لنفعنا وهو بالثواب عليها ؛ إذ ليس بمعقول أن يكلفنا الله بشيء لا لغرض لأن ذلك عبث ، فيستحيل صدوره من الله لقبحه ؛ فوجب أن يكون التكليف لغرض وهذا الغرض ينبغي ألا يكون عائدا إلى الله لتنزهه وتعاليه عن الانتفاع والضرر ، بل يجب أن يكون هذا الغرض عائدا إلى العبد وحده ، ثم يقال : لا يجوز أن يكون عائدا عليه في الدنيا لأن الإتيان
__________________
(١) د / عبد المقصود عبد الغني (ص ٩٢).