يستهجن البحث الكلامي كالحنابلة ، ولكنه استطاع أن يوفق بين الجانبين ـ كما فعل الماتريدي ـ واعتمد على النظر العقلي فوضع للفتن الدينية حدّا ، فقضى على مذهب المعتزلة وحل مكانه» (١).
منهج الأشعري :
تبين لنا من نقد الأشعري للمعتزلة والحشوية أنه وقف على علة ضلالهما وفساد ما انتهوا إليه من آراء وتصورات في العقيدة ، وهذه العلة إنما هي الاقتصار على النقل وإهمال العقل ، أو تحكيم العقل وتقديمه على النقل ، أما المعتزلة فاستقلوا بالعقل في تأسيس مذهبهم الاعتقادي وظنوا أنه مرقاة إلى العقيدة السليمة ، فأداهم ذلك إلى آراء شاذة تنكرها النصوص الشرعية الثابتة ، من نفي الصفات والقول بخلق القرآن وإنكار الرؤية والشفاعة ، وفي سبيل ذلك أولو آيات القرآن الكريم وطعنوا في السنة الصحيحة والضعيفة جميعا.
وأما الحشوية فالتزموا بالنقل التزاما حرفيّا ، ولم يجعلوا للعقل حظا من فهمه والاستدلال عليه بأدلته ، فزلت أقدامهم في القول بالتجسيم والتشبيه ، ورأوا كذلك أن النظر العقلي في أصول الدين بدعة ، حيث لم يؤثر عن النبي صلىاللهعليهوسلم وصحبه ـ رضوان الله عليهم ـ فصنف الأشعري للرد عليهم رسالة : «استحسان الخوض في علم الكلام» بين فيها أن القرآن والسنة يشتملان على أصول النظر العقلي والاستدلال المنطقي على صحة العقيدة الإسلامية ، وذهب إلى أن تأييد الشرع بالعقل ليس بدعة وإنما هو واجب لا بد من أن ينهض بأدائه علماء المسلمين.
اجتهد الأشعري ـ مستهديا بنقده للمعتزلة والحشوية ـ في تأسيس مذهب جديد يؤلّف في منهجه بين النقل والعقل ويوائم بينهما «فكان يفهم النص في ضوء العقل أو يسير وراء العقل في حدود الشرع ، ويجعل الشرع هاديا للعقل ؛ لأن العقل إذا ترك وشأنه اتبع هواه ، لكنه بالشرع يتبع هداه» (٢).
وإذا كان الأشعري قد جمع في منهجه بين العقل والنقل ، فإنه قدم النقل على العقل ؛ لأن مبنى العقائد على الغيبيات وطريقها الوحي لا العقل ، ونص الأشعري صراحة في مقدمة كتابه «الإبانة عن أصول الديانة» على أنه يتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، كما نص على أن الإمام الذي يتبعه هو
__________________
(١) محمد حسن أحمد ، منهج الأشاعرة والماتريدية في علم الكلام (ص ٨٤ ، ٨٥).
(٢) د / عبد المقصود عبد الغني ، دراسات في علم الكلام (ص ١١٤).